ليديا أبودرغم - خاصّ الأفضل نيوز
مع تطور الأوضاع الإقليمية والدولية، وتغيُّر المزاج الدولي بخصوص الملف السوري، حدثت تغيرات في سياسات بعض الدول المؤثرة في الملف السوري، كانت تركيا في مقدمة هذه الدول، إذ فرضت المتغيرات في السياق الإقليمي نفسها بقوة على السياسات التركية، مع ازدياد الضغوط الاقتصادية على تركيا، وظهور مؤشرات لإعادة اصطفاف إقليمي مترافق مع تراجع الحضور الأميركي في المنطقة، والرغبة التركية في التخلص من أعباء ملف اللاجئين السوريين؛ كل ذلك أسهم في اتخاذ تركيا خطوات متتابعة باتجاه تغيير سياساتها تجاه سوريا، لاقت دعماً عربياً واسعاً وخصوصاً من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما لاقت دعماً روسيًّا وصينياً وإيرانياً.
وتشهد العلاقات السورية التركية تطورات هامة، حيث من المقرر أن يعقد لقاء بين مسؤولين من البلدين في العاصمة العراقية بغداد خلال الأيام القادمة، لبحث قضايا سياسية وميدانية هامة بما في ذلك الأمن الحدودي حيث تهدف تركيا إلى معالجة مخاوفها الأمنية المتعلقة بوجود وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا.
وجاء إعلان أردوغان استعداده للقاء الأسد، في مسعى لاستعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، في وقت تستعد فيه أنقرة لاحتمال توسع الحرب الإقليمية والبحث عن دور تركي فيها، كما تزامن ذلك مع رغبة الأسد في تجاوز تداعيات الحرب الأهلية والانفتاح على دول الخليج بحثاً عن الدعم الذي يبحث عنه في مرحلة إعادة إعمار سوريا، وهي نقطة يشترك فيها مع الرئيس التركي الذي وجد في الخليج ضالته لإخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية والمالية الخانقة.
والسياق السياسي الأبرز في هذا التقارب طلب الجانب التركي من بغداد وموسكو التي اقترحت خارطة طريق تهدف إلى استعادة سوريا السيطرة على كامل أراضي البلاد لضمان أمن الحدود مع تركيا، الجلوس على طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.
إن تركيا تريد قطع الطريق على أي محاولة انفصالية للأكراد، وكذلك تريد توجيه رسائل للولايات المتحدة الداعمة لـ "قسد"، وخاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في تشرين الثاني القادم، ويبدو أن موسكو تلقفت الرسائل، وأرادت أن توجه رسائل مماثلة لأميركا، تقول فيها إنها قادرة على التحكم بالشأن السوري رغم انشغالها بأوكرانيا.
فالحرب الدائرة في غزة وعلى الحدود اللبنانية الجنوبية والتهديدات الإسرائيلية المستمرة باحتمال توسيع الحرب التي إذا توسّعت ستطال كل المنطقة، قد تؤجل تحقيق أي تطور في مسار التقارب التركي مع النظام السوري، إلى حين اتضاح الصورة بعد الانتخابات الأميركية، ووقف إطلاق النار في غزة والتوافق حول الوضع في شمال شرق سوريا والعلاقة مع الإدارة الذاتية (الكردية) وحزب العمال الكردستاني المدعومين من قوات التحالف الدولي والموقف الأميركي من طرح توازنات جديدة.