د.أكرم حمدان - خاص الأفضل نيوز
تحلُّ السنة الهجرية الجديدة هذا العام بالتزامن مع مرور تسعة أشهر على ملحمة طوفان الأقصى، وبدء الشهر العاشر للعدوان الوحشي الصهيوني الأميركي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وجنوب لبنان، في أبشع حرب إبادة شهدها التاريخ،وفي ظل تواطؤ مريع من دول غربية وعجز فاضح من مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولي الذي يترنح أمام الفيتو الأميركي المساند للعدوان، وعجز وتخاذل ولا مبالاة من دول وأنظمة عربية وإسلامية.
لا شك أن الهجرة كانت محطة مهمة في تاريخ الرسالة الإسلامية وفي مسيرة نبي الأمة ورسولها محمد صلى الله عليه وسلَّم، وبالتالي فإن هناك الكثير من الدروس والعبر التي يجب أخذها وتعلمها من هذه المناسبة.
إن أعظم دروس وعِبر الهجرة تعلم التضحية وعدم اليأس وحسن الصحبة والثبات على الموقف والتوكل على الله وإتقان التخطيط وحسن توظيف الطاقات،وكل هذا تجلّى من خلال تضحية النبي بمغادرة المكان الذي ولد وترعرع فيه وترك أقاربه وعشيرته، وكان صاحبه أبو بكر رضي الله عنه الذي كان أول من أسلم،والذي سخَّر كل إمكاناته لخدمة الدين والدعوة، وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يضحي بنفسه،وينام في فراش الرسول ويتسجَّى ببرده.
ومن الدروس والعبر التخطيط الجيد وحسن توظيف الطاقات وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق،والراحلة تُعْلَف وتُجهَّز قبل أربعة أشهر وبِسرِّية تامَّة، وعليُّ بن أبي طالب يُكَلَّف بالنوم في فراش النبِيِّ واختيار التوقيت في وقتٍ شديد الحر للنبي للوصول إلى بيت أبو بكر متلثماً،وهو الوقت الذي لا يكاد يخرج فيه أحد، والخروج للهجرة ليلًا،ومن باب خلفيٍّ في بيت أبي بكر،واختياره صلى الله عليه وسلم،طريقا غير مألوفة للناس،وهو الطريق الواقع جنوب مكة، حتى بلغ جبلًا يُعرَف بجبل ثَوْر،ثم يختار غار ثور للاختباء فيه .
إن ما تقدم يؤكد بما لا يقبل الشك بأن المولى عز وجل أمر الرسول الأكرم ونبي الأمة بالهجرة الى المدينة المنوّرة، اتقاءً لظلم الكفار،ولإعداد العدّة ومستلزمات المواجهة والعودة الى مكة المكرّمة،فكان الفتح المبين وانتصار الإسلام على أهل الشرك والظلم والإلحاد.
إن هذا الدرس العظيم والكبير من الهجرة يجب أن يدفعنا إلى تعزيز ثقافة مواجهة الظلم والاحتلال والعدوان،فالدفاع عن الأرض والعرض في مواجهة أي عدوان أو محتل،هو واجب ديني بالدرجة الأولى، حيث لا مساومة ولا تطبيع ولا استسلام مع أي عدو وبخاصة العدو الصهيوني، بل مقاومة مستمرة حتى التحرير والنصر.
إن ما قامت وتقوم به المقاومة العربية في مواجهة الاحتلال بدءًا من الاستعمار الغربي بكل أشكاله وصولاً إلى العدوان الصهيوني واحتلال فلسطين عام 1948 وحتى يومنا هذا،هو بمثابة تجسيد لدروس وعِبر الهجرة في مواجهة الظلم والعدوان،ويجب أن نستذكره للتأكيد على استمرار وتنامي وتصاعد هذه المقاومة حتى تحرير فلسطين كل فلسطين،مهما كانت التضحيات كبيرة ومؤلمة،فطريق التحرير عبر التاريخ لم يكن مفروشاً بالورود والحرير وإنما بالتضحيات والشهادة والدم والعزم والإرادة والصمود.
إن مناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة وملحمة طوفان الأقصى المستمرة منذ السابع من أكتوبر(تشرين الأول) الماضي،تُعزز روح وثقافة المقاومة،وتؤكد أن فصائل المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان وكل أرض عربية، تعمل من وحي دروس وعِبر الهجرة النبوية الشريفة،وهي تستحق كل التحية والتقدير إلى أرواح الشهداء الذين يصنعون طريق النصر ويحافظون على كرامة الأمة وعزّتها.