د. أكرم حمدان - خاصَ الأفضل نيوز
تأخذ قوى وأطراف من الأحزاب والقوى والكتل النيابية التي تنطوي تحت اسم المعارضة في المجلس النيابي اللبناني، على رئيس المجلس نبيه بري أنه ومن خلال دعوته للحوار والتشاور بشأن الاستحقاق الرئاسي المجمد والمقفل والمعقد، بأنه يبتكر ويبتدع أعرافاً جديدة تُخالف الدستور ولا تستقيم معها العملية الديموقراطية التي يُفترض اتباعها من أجل إنجاز هذا الاستحقاق، وتعلو الأصوات من هنا وهناك حيث يتبارى كل طرف وفريق باتهام الفريق الآخر في التعطيل واستمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية.
لكن الملفت أن قوى "المعارضة"التي لا يتفق معها كل أطياف المعارضة، وتحديداً كتل"القوات اللبنانية"،"الكتائب"،"تجدد"وأربعة من نواب التغيير، تقدمت باقتراحين في الآونة الأخيرة كمخرج برأيها لحل أزمة الشغور الرئاسي والتوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
فمبادرة المعارضة استندت إلى اقتراحين، الأول ينصّ على أن "يلتقي النواب في المجلس النيابي ويقومون بالتشاور في ما بينهم، دون دعوة رسمية أو مؤسسة أو إطار محدّد، حرصاً على احترام القواعد المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية المنصوص عنها في الدستور اللبناني، على ألّا تتعدّى مدة التشاور 48 ساعة، يذهب من بعدها النواب، وبغض النظر عن نتائج المشاورات، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، وذلك حتّى انتخاب رئيس للجمهورية كما ينص الدستور، دون إقفال محضر الجلسة، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب".
أما الاقتراح الثاني، فيلحظ أن "يدعو رئيس مجلس النواب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ويترأسها وفقًا لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتمّ الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على أن يعودوا إلى القاعة العامة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً، دون انقطاع ودون إقفال محضر الجلسة، وذلك إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب".
وبمعزل عن المواقف المسبقة لكل طرف من الأطراف و"النكد"السياسي، والتوصيفات التي بدأت من حدود"اللعب في الوقت الضائع بانتظار التسويات في المنطقة" وصولا إلى "تمخض الجبل فولد فأرًا" وما بينهما من كلام عن "الخوار بدل الحوار" ومخالفة الدستور وهنا بيت القصيد.
لقد أخذت المعارضة أو بعض أطرافها على بري أنه يُخالف الدستور في دعوته للحوار أو التشاور قبل تحديد موعد جديد لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، دون احتساب أو تسجيل أنه دعا إلى 12 جلسة سابقاً ولم تُنتج هذه الجلسات رئيساً، بسبب الانقسامات الحادة داخل البرلمان وبين القوى السياسية الممثلة فيه.
كذلك فإن الاعتراض على مبادرة بري من قبل بعض المعارضة، وتحديداً بشأن الحوار والتشاور، هو نفسه ورد في اقتراحَي "المعارضة"عندما تحدثت عن تشاور خارج القاعة لمدة 48 ساعة مع جلسات متتالية وتعهد بتأمين النصاب وكل ما ورد، من حيث الشكل وحتى المضمون، لا يستطيع بعض المعارضة اتهام بري باختلاق أعراف وبدع بينما هذا البعض يلجأ إلى نفس الأسلوب ولكن الاختلاف هو في المهل الزمنية، فاقتراح بري يتحدث عن حوار وتشاور لمدة أسبوع يليه جلسات بدورات انتخابية متتالية حتى انتخاب رئيس من بين اثنين أو ثلاثة مرشحين، يكون الحوار أو التشاور توصل إلى التفاهم حولهما، وإقتراحي المعارضة يتحدثان عن تشاور نيابي مع الإقرار بحق ودور رئيس المجلس في الدعوة وتحديد موعد الجلسة، ولكن هذا البعض يرفض رئاسة بري للحوار أو التشاور.
والأهم مما تقدم أنه في اقتراحي "المعارضة"التي تُبدي حرصها على الدستور، مخالفة واضحة لمبدأ دستوري وقانوني، عندما تريد الفرض على النواب والالتزام بالحضور الدائم في الجلسات، بينما النظام يُعطي النائب الحق في مغادرة القاعة ساعة يشاء من ضمن اللعبة الديموقراطية وممارسة دوره في تسجيل موقف معين وفي تأمين أو تطيير النصاب، وهناك الكثير من السوابق في هذا المجال.
كذلك، فإن ما تطلبه بعض المعارضة في مجال تأمين النصاب تعمل عكسه تماماً في مجالات عقد الجلسات التشريعية، وإن كان بحجج وتبريرات ذات طابع دستوري، فمرة تؤمن نصاب جلسات لتمرير التمديد لقادة الأجهزة الأمنية وغيرها، ومرات أخرى تعتبر أنه لا يجوز التشريع في ظل الشغور الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال، وهذا المنطق يتسابق فيه أكثر من طرف في المعارضة وخارجها.
في المحصلة، يبقى من المفيد التذكير بما نُقل عن أحد السفراء المعنيين مباشرة بالأزمة الرئاسية، حيث قال إن سفراء الخماسية تمكنوا خلال الحوارات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يأخذوا منه ما لم يتوقعوه من تنازلات في ملف الرئاسة.
وتابع مستغرباً:"كنّا نظنّ أنّ المعترضين سيلاقون هذه التنازلات بأن يقطعوا ربع المسافة المتبقية بعدما قطع بري ثلاثة أرباعها وأكثر، إلّا إنّنا فوجئنا بمزيد من التردد، وأسمح لنفسي بأن أقول بمزيد من التعنت".
إذن، فالمسألة ليست في الحوار أو التشاور أو غيره من المسميات التي طبعت وما زالت تركيبة لبنان الروحية والسياسية الفريدة، فهو وطن حوار وتلاق يومي بين مختلف ألوان طيفه وحل أزمة الشغور الرئاسي، تتطلب اقتناع الجميع بوجوب الابتعاد عن الكيد والمكابرة والإلغاء، وبأن طبيعة التعقيدات والتوازنات في المجلس النيابي والاستعصاء الحاصل يفرضان بأن يكون هناك تشاور وحوار جدي، بمناخ منفتح تحت قبة البرلمان وتحت سقف الدستور، لأيام معدودات يفضي إلى توافق على مرشح أو اثنين أو ثلاثة، حوار من أجل انتخاب رئيس لجمهورية لبنان يكون انتخابه مدخلاً لانتظام عمل المؤسسات الدستورية وانقياداً لمنطق الدولة والمؤسسات والحؤول دون اندثارها.