كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
تتوسّع الحاضنة السّياسيّة والحزبيّة والشّعبيّة في لبنان لفلسطين، كقضيّة مركزيّة، فبقيت كأولويّة لدى غالبيّة الشّعب اللّبنانيّ، الذي تكمن بمقاومته التي تناغمت مع الجيش من تحرير أرضه المحتلّةِ على مدى ٢٢ عامًا، دون قيد أو شرط، وأسقط إفرازات الاحتلالِ الإسرائيليِّ السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة للبنان، منذ العام ١٩٧٨ ثمّ ١٩٨٢، والاعتداءات المتكرّرة عليه منذ عقود، وكان آخرها حرب صيف ٢٠٠٦، التي انهزم فيها الجيش الإسرائيليّ بعد ٣٣ يومًا، كما يهزم اليوم في غزّة وجنوب لبنان، بعد مرور حوالي عشرة أشهر على الحرب.
فلبنان قدّم نموذجًا للمقاومةِ، وهو البلد الذي تبلغ مساحته ١٠٤٥٢ كلم٢، ويعيش مجتمعه انقسامًا سياسيًّا وطائفيًّا عاموديًّا، إلّا أنّ المقاومة الوطنيّة والإسلاميّة، أظهرت بأنّه بلد مقاومة بكلّ ما للكلمة من معنى، فكان "حزب اللّه" مع "سرايا المقاومة" وأحزاب وطنيّة أخرى أوسع انتشار لخطّ المقاومة، من أصحاب الدّعوة "السلام" وترك الحرب، والتّوجّه نحو التّطبيع مع العدوِّ الإسرائيليِّ، إلّا لأنّ المقاومة أسقطت هذا النّهج الّذي مثّله حزب الكتائب، الّذي خرجت من رحمه "القوات اللبنانيّة" التي أسّسها بشير الجميل بالدّم ضدَّ أحزاب مسيحيّة أخرى، ليمسك بالقرار بشنّ الحرب على لبنان بالتّعاون مع العدوِّ الإسرائيليِّ، دون أن يسأله أحد عن "قرار الحرب والسّلم"، ولو كانت قائمة في تلك المرحلة من السّبعينات والثّمانينات الحرب الأهليّة، كما الحرب الإسرائيليّة على لبنان وتحديدًا الفصائل الفلسطينيّةِ فيه، فلم يتمكّن الاجتياح الإسرائيليّ للبنان عام ١٩٧٨ حتّى شمال الليطاني، ولا الغزو الصهيوني عام ١٩٨٢ حتّى بيروت، وانتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية على سطح دبّاباته، من أن يحوّل لبنان إلى دولة ثانية تقيم سلامًا مع الكيان الصهيوني.
فبعد أكثر من شهر على غزو العدوِّ الإسرائيليِّ للبنان، ظهرت المقاومةُ ضد احتلاله في ٢١ تموز ١٩٨٢، ورمت المقاومةُ الوطنية بصواريخها على الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة، مُعلنة بدء المقاومة، التي توسّعت في ملاحقة العدوِّ الإسرائيليِّ، في الجبل والبقاع والجنوب، وبعد أن دخل بيروت بعد اغتيال بشير الجميل في أيلول ١٩٨٢، فحصلت عمليات للمقاومةِ ضدّه أبرزها في مقهى "الويمبي" في شارع الحمراء التي نفّذها خالد علوان، ما أدّى إلى انسحابٍ فوريٍّ لجيش الاحتلالِ الإسرائيليِّ من أول عاصمة عربية، وضباطه وجنوده يصرخون، لا تطلقوا النّار علينا إنّنا راحلون.
هذا هو لبنان المقاوم، الذي قدّم النموذجَ، وتمثّلت به فصائل في فلسطين المحتلّة، وهي تخوض حرب تحرير ووجود، في غزّة والضّفةِ الغربية، وتمكّن أيضًا من تأمين ساحات دعم له، فكانت سوريا عمقه القومي والاستراتيجي، فكانت مخزن سلاح للمقاومة، وطريق عبور له من إيران، وهذا ما دفع بالمتآمرين، منذ حصل التّحرير في لبنان، أن يطالبوا بانسحاب الجيش السّوري منه في العام ٢٠٠٠، بعد اندحار إسرائيل منه، وتسليم المقاومة سلاحها، لأنَّ وظيفتها انتهت، وإحياء اتفاقيّة الهدنة، وعودة لبنان إلى ما كان عليه ضعيفًا ومحايدًا ولا سلاح لجيشه أو عقيدة قتاليّة له.
فقبل ٤٢ عامًا، كان لبنان منقسمًا بين مقاوم للاحتلالِ الإسرائيليِّ ومساوم ومستسلم له، فالمقاومة انتصرت، ومن كانوا عملاء للعدوِّ الإسرائيليِّ، لم يعيدوا حساباتهم، ويقرأوا ما حصل بفضل قوّة المقاومة وردعها، فعادوا إلى طرح موضوع السّلاح خارج قرار الدولة، وهو السؤال الذي طُرح أثناء الوجود الفلسطيني المسلّح، وهؤلاء هم من أحزاب الكتائب والأحرار و"حرّاس الأرز"، ومن يشبههم في تعاونهم مع العدوِّ الإسرائيليِّ، يحاولون تكرار مرحلة السّبعينات، وهذه المرّة ضدَّ "حزبِ اللّه" وخلفائه، ويحرّضون على المقاومةِ ويدعون إسرائيل إلى احتلال لبنان، وتخليصه من المقاومة، وهو السيناريو نفسه بمرحلة الثّمانينات، حيث كشفت هذه الحرب العملاء وهم لا يخفون وجودهم ولا يبلعون ألسنتهم.