نبيه البرجي-خاصّ الأفضل نيوز
إذا كان المفكر الفرنسي ريمون آرون قد قال "إن الله بعث بسبعة أنبياء , دفعة واحدة , إلى أميركا" , في إشارة إلى الرجال السبعة الذين صاغوا الدستور الأميركي , كان على فرانز فانون , الكاتب المارتينيكي وصاحب "معذبو الأرض" , أن يسأل "أي شياطين عهد إليهم تطبيق هذا الدستور ؟" , ليشكك , على نحو فلسفي , بـ"ذلك النوع الهجين الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تسويقه في العالم الثالت , أي ... ديمقراطية جهنم".
الآن , وفي ظل الفوضى السياسية التي أحدثتها محاولة اغتيال دونالد ترامب , وحيث بدا جليّاً تأثر الأميركيين بالبعد الدرامي , أو بالبعد الهوليوودي , للمشهد , علت أصوات من داخل "الاستبلشمانت "تدعو إلى تغيير النظام السياسي , بعدما وصل نظام الحزبين إلى مأزق يمكن أن تنتج عنه سلسلة من الأزمات البنيوية القاتلة . البعض يرى أن "إيديولوجيا المال" التي حلت محل سائر الإيديولوجيات الأخرى , والأحرى سحقت سائر الإيديولوجيات الأخرى , هي التي تتولى إدارة الولايات المتحدة , وحيث تدار (أو تدور) الكرة الأرضية . لنتصور أن شركة مثل "بلاك روك" تدير استثمارات بقيمة 10 تريليونات دولار , أي ما يفوق نصف الناتج المحلي السنوي للأمبراطورية .
الأسئلة تتلاحق في مراكز البحث , وعلى الشاشات , وفي الصحف , حول "التفاعلات الجيولوجية " داخل الأزمة , أو الأزمات الراهنة , ما يمكن أن يفضي إلى الانفجار , لتشير إلى أن ثقافة الكاوبوي التي تتحكم بالعقل السياسي الأميركي (ومن بندقية جون واين , نجم أفلام الغرب الأميركي , إلى قنبلة هيروشيما) , بدأت بإحداث اضطراب كارثي في الوعي العام .
وكان المفكر الشهير ناعوم تشومسكي قد لاحظ كيف أن استراتيجية القوة التي تنتهجها الإدارات المتعاقبة , حيال الدول الأخرى , ومنذ اندلاع الحرب الباردة , لا بد أن تنعكس , بصورة هائلة , على الاتجاهات الأخلاقية , والسيكولوجية , للمجتمع الأميركي .
كيف لأحزاب القرن التاسع عشر أن تصلح للقرن الحادي والعشرين , بذلك الإيقاع الجنوني الذي يحمل علماء أميركيين على القول "خطوة واحدة وننتقل إلى ما بعد الزمن , وربما إلى ما بعد الإنسان" , وصولاً إلى الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فنكلشتاين الذي يتحدث عن "توتاليتارية الأدمغة العفنة" حين يتحكم اللوبي اليهودي (الايباك) بالسياسات الداخلية والخارجية للبلاد .
أي ديمقراطية تلك ، أقلية إثنية أو دينية , وإن كانت أقلية نخبوية , تستطيع إدارة الرؤوس , وإدارة مراكز القوى , وإدارة المال , والإعلام , والثقافة , ليعتبر فلنكشتاين أن "هذا مؤشر مروع على نوع الخراب الذي ينتظرنا" .
هو الذي يلاحظ كيف أن بنيامين نتنياهو يمسك بجو بايدن بأذنيه , في حين أن إيفانكا ترامب التي اعتنقت اليهودية التوراتية الأكثر انغلاقاً , بعد زواجها من جاريد كوشنر , تتجول بالكعب العالي في رأس أبيها الشديد الافتتنان بسحرها , وبأفكارها التي يصفها بـ"أفكار الملائكة" , بينما هي أفكار أولئك الحاخامات الآتين من قاع الأزمنة , ومن قاع الإيديولوجيات .
لكي تبدو الصورة أكثر وضوحاً حول تأثير الأقلية اليهودية في "الأعالي الأميركية" , نشير إلى أن الرئيس هاري ترومان , الذي اعترف باسرائيل بعد ربع ساعة من إعلان ديفيد بن غوريون قيامها , سأل "إن المسيح حين كان على الأرض لم يستطع إرضاءهم ـ أي اليهود ـ كيف لأحد أن يتوقع أن تكون لي مثل هذه الفرصة ؟" (كتاب جون جوريس "التكوين , اليهود الأميركيون وأسس الصراع العربي ـ الاسرائيلي") .
من قاعات وول ستريت , حيث آلهة المال , إلى أروقة الكابيتول , حيث حديقة الديناصورات (جوراسيك بارك) , إلى الأبواب السحرية في هوليوود , وحيث التأثير العاصف على الأمزجة الثقافية في العالم الأشبه ما يكون بتأثير القنبلة النووية، أيضاً إلى دهاليز "الدولة العميقة" , حيث نجد يهوذا "الحارس المقدس" لهذه الدولة .
إذ نلاحظ مدى الارتباك داخل الحزب الديمقراطي الذي تاسس عام 1828 , ليكون أقدم حزب سياسي في العالم , يبدو واضحاً أن الرصاصة التي أصابت أذن دونالد ترامب , الآتي من أرصفة لاس فيغاس , أصابت رأس جو بايدن الذي وقع أرضاً .
ستيف بانون , المستشار السابق لدونالد ترامب استغرب كيف أن هذا الرجل الذي بثقافة الغانيات , صاح باتباعه وفور نهوضه من محاولة الاغتيال , "حاربوا , حاربوا , حاربوا" . يحاربون من ؟
السناتور برني ساندرز رأى كيف أن مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة يدعو علناً إلى الحرب الأهلية .
تصوروا أن أستاذاً فلسطينياً في إحدى الجامعات الأميركية يتصل بنا ليقول "كلما ازداد عدد الجثث في غزة كلما راهن كل من جو بايدن ودونالد ترامب على أن يزيد لمصلحته عدد الأصوات التي توضع في صناديق الاقتراع" .
دعونا نتساءل : ديمقراطية الآلهة أم ديمقراطية الغانيات في أميركا ؟؟