عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
أتى فيديو "عماد 4" الذي وزعه الإعلام الحربي في المقاومة ليعيد خلط أوراق الميدان والسياسة، وليوجه رسائل بالجملة في توقيت دقيق بين الرد المنتظر ومفاوضات الدوحة.
ومن الواضح أن الفيديو الذي كشف عينة من ترسانة حزب الله العسكرية ومنشآته المحصنة تحت الأرض، أراد التلميح إلى جدية الحزب في الرد على اغتيال الشهيد فؤاد شكر وجهوزيته التامة لمواجهة كل الاحتمالات اللاحقة، وبالتالي فإن أي رد إسرائيلي على رد المقاومة يجب أن يأخذ في الحسبان هذه المعادلة تحت طائلة تحمل تبعات سوء التقدير.
كما إن التسجيل المصوّر ببراعة وبإخراج فني مدروس يؤكد عدم جدوى أي ضربة استباقية يلوّح بها العدو مع وجود "مدن قتالية" للحزب في "عالم" الأنفاق المتطورة.
كذلك تقصَّد حزب الله عبر عرض مشاهد لواحدة فقط من منشآته المتعددة التي تضم صواريخ دقيقة، تنبيه العدو الإسرائيلي وحليفه الأميركي إلى أن المقاومة لا تخشى الحرب الكبرى وإن كانت لا تريدها، وبالتالي فإن التهويل بها من قبل الموفدين الدوليين إلى بيروت ومسؤولي الكيان لا يفيد.
لقد صار واضحا أن إعلان حزب الله وإيران عن عزمهما الرد على اغتيال الشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، شكّل ورقة ضغط قوية ووازنة تكاد لا تقل شأنا وقيمة عن الرد في حد ذاته، وهذا ما أثبته الحراك الخارجي المحموم لاستدراك الهجوم المضاد قبل وقوعه، ولتنشيط عروض التهدئة مجددا.
بهذا المعنى، كان لافتا أن الدبلوماسية الأميركية استنفرت لمحاولة منع الضربة الانتقامية التي يبدو أنها حفّزت إدارة الرئيس جو بايدن، القلقة من خطر الحرب الشاملة، على إعادة تزخيم مفاوضات وقف إطلاق النار وإعطاء انطباع بأن جولة التفاوض التي انطلقت أمس في الدوحة هي استثنائية ولا تشبه سابقاتها.
ومع أن سلوك بنيامين نتنياهو حتى الآن لا يوحي بأنه في صدد إنجاح جولة الدوحة، إلا أن الأميركيبن أصروا على الإيحاء بأنها مفصلية وتنطوي على أهمية خاصة وبالتالي يمكنها أن تمنح المسعى أو المسار الدبلوماسي قوة دفع لإنجاز صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وقد تعمدت واشنطن تضخيم وزن المفاوضات المتجددة وفرص نجاحها، بغية الضغط على الحزب وطهران لثنيهما عن الرد على الكيان الإسرائيلي، أو على الأقل لدفعهما إلى تأجيله حتى إشعار آخر، تحت طائلة تحميلهما مسؤولية انهيار المفاوضات وانزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة على كل المجهول، إذا تمسكا بخيار مهاجمة "إسرائيل" في هذا التوقيت.
وعلى قاعدة "امنحونا فرصة"، أتت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت عشية انطلاق مفاوضات الدوحة، موحيا بأن هناك هذه المرة إمكانية حقيقية للتوصل إلى تهدئة في غزة، والمطلوب من حزب الله عدم التشويش عليها.
ولكن، كيف تعامل الحزب مع الوقائع التي استجدت بعد إعلانه عن قراره بالرد على اغتيال القائد العسكري السيد فؤاد شكر، وضمن أي سياق يمكن أن يندرج التأخير في تنفيذه؟
يجدر التوقف هنا عند تأكيد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أن "الرَّد على العدوان الإسرائيلي باغتيال القائد فؤاد شكر والرد الإيراني على اغتيال القائد إسماعيل هنية له مساره وله خطته، وهو منفصل تماماً عن مسار استمرار جبهات المساندة أو وقف إطلاق النار، أي أنَّ الرد سيحصل، أمَّا كيف ومتى فهذا له علاقة بتشخيص القيادة وتقدير مصلحة الرد وحدوده."
حسم قاسم كل التأويلات بجزمه أن الضربة العقابية آتية ومنفصلة عن أي ملف آخر، ولو تأخرت. إلا أن اللافت أنه ربط توقيتها وحجمها بتقدير القيادة للمصلحة، الأمر الذي يترك أمامها هامشا للتصرف وفق حسابات مدروسة بمعزل عن إلحاح المستعجلين و "تنمر" المشككين.
وتوضح مصادر مطلعة أن التأخير في الرد حصل بدايةً لأسباب تقنية تتصل بالظروف الميدانية، ثم أضيفت إليها لاحقا أسباب سياسية مع تحديد موعد لاستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وتلفت المصادر إلى أن الحزب كان، ولا يزال، "يهندس" ردا قويا وعاقلا في الوقت نفسه، بحيث يعيد ترميم معادلة الردع من دون أن يؤدي إلى حرب شاملة، "ثم ما لبث أن دخل على الخط عامل مستجد تمثل في اندفاعة الولايات المتحدة لإحياء مفاوضات إطلاق النار في غزة وتحديد موعد لاستئنافها في 15 آب، بالترافق مع الترويج الأميركي بأن الجولة الجديدة من التفاوض ستكون جدية ويجب أن تأخذ فرصتها الكافية."
وتضيف: وفق تقديرات الحزب، فإن نتنياهو غير جاهز بعد لإنهاء عدوانه على غزة وإبرام اتفاق في هذا المجال خصوصا أنه يفترض أن بايدن بات أضعف من أي وقت مضى ولا يستطيع أن يفرض عليه شيئا، ومع ذلك لا يريد الحزب أن يظهر وكأنه هو من تسبب في تخريب أي فرصة محتملة، ولو ضئيلة، لوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، لاسيما أن الوظيفة الأصلية لجبهة الإسناد عبر الجنوب وللتضحيات التي قُدمت هي الضغط على العدو ليوقف إطلاق النار، فإذا تم ذلك تكون معركة الإسناد وتضحياتها قد صنعت الإنجاز وحققت المقصود منها في الأساس.
وتشير المصادر إلى أن حزب الله يتصرف بمسؤولية، خصوصا أن أي قرار يتخذه لا ينعكس فقط على لبنان بل على مجمل الإقليم، وهو ليس من هواة الحرب للحرب بل يخوضها على نحو هادف.
بناء عليه، ومن باب تبرئة الذمة والحؤول دون تحميل محور المقاومة المسؤولية عن أي تصعيد ميداني واسع، ولوضع كامل الكرة في ملعب نتنياهو واختبار جدية الأميركيين في الضغط عليه، كان لا بد من الانتظار والتروي قليلا بغية كشف حقيقة النيات، في إطار تكتيك سياسي فرضته مقتضيات اللحظة، وبعد ذلك سيأتي الرد "حفر وتتزيل" بعدما يكون قد اكتسب كل مشروعيته وأحقيته.