كتب فؤاد بزي في الأخبار:
في اليوم الثالث على الاستهدافات المتتالية في الضاحية الجنوبية، ارتكب العدو الصهيوني المجزرة الثالثة والأكبر، باستهداف المدنيين الآمنين في بيوتهم. عوائل، ذنبها الوحيد أنّها تقيم في منطقة الضاحية الجنوبية. مجزرة مكتملة المعايير، وستتكشّف مشاهدها الدموية مع مرور الساعات.عند الثالثة والدقيقة الخامسة والأربعين، استهدفت 4 صواريخ، كما أحصى سكان المنطقة، مبنيين مجاوريْن في شارع القائم المكتظ أصلاً. «شخرت الصواريخ من فوق رؤوسنا»، تقول مريم القاطنة في المبنى المقابل للمنطقة المُستهدفة. لكن «لم نسمع صوت الطائرة، ولا حتى المُسيّرات»، تضيف مريم، بل «شعرنا بالهواء الساخن يلفح وجوهنا. اهتزت البيوت، وطار الأثاث». في النتيجة، انهار تماماً المبنيان المؤلّفان من 40 شقة وأحيلا رماداً، فضلاً عن عدد من المحالّ التجارية، وتحوّل شارع «القائم» الممتدّ من محطة الضاحية الكهربائية العائدة لمؤسسة الكهرباء، وصولاً إلى المسجد الذي سُمّي الشارع باسمه إلى منطقة منكوبة.
في ثوانٍ، تحوّلت العوائل الآمنة إلى شهداء وجرحى ومفقودين. وحتى كتابة هذه السطور، كانت عمليات الإنقاذ في الطابق الثامن فقط من المبنيين المُدمّرين، ما يعني وجود 8 طوابق لم تصل إليها عمليات الإنقاذ. وأحصت وزارة الصحة استشهاد 14 شخصاً، بينهم 5 أطفال، ووصل عدد الجرحى إلى 66، فيما طلب عدد من العوائل عبر وسائل الإعلام البحث عن ذويهم، مثل آل فارس وغازي، وهم نازحون لاحقتهم الهمجية الصهيونية من مارون الرأس وبليدا إلى الضاحية الجنوبية. أمس، أعادت المشاهد في المستشفيات مشاهد الاجتياح عام 1982 بالنسبة إلى أبي خليل. حينها، بحث طويلاً عن والده في مستشفيات بيروت بعد إحدى جولات قصف العدو لشوارع العاصمة. والآن، «بحثت عن أولادي في 3 مستشفيات، قبل أن أجدهم في مستشفى السان تيريز». كان أبو خليل خارج منزله عندما وقعت الغارات. وعند وقوع الاعتداء، تأخّر في الوصول إلى المنطقة بسبب الازدحام المروري، «لم أعرف أين أبحث»، يقول: «بيتي مقابل المبنى المستهدف، وجدته خالياً من أولادي، فبدأت رحلة البحث بجنون. دخلت غرف الطوارئ، وفتّشت في وجود المرضى، قبل أن أجدهم»، يختم.
بسبب الاكتظاظ السكاني، «لن يتوقف عدّاد الخسائر البشرية عن الارتفاع قريباً»، بحسب أحد مسؤولي الدفاع المدني في المنطقة. فالضربة وقعت في واحد من أوقات الذروة، بعد صلاة الجمعة في مسجد «القائم»، وخلال ساعات عودة الموظفين من أشغالهم. أما الخسائر المادية، فكبيرة، ويحتاج إحصاؤها إلى أيام، وفقاً للمسؤول في الدفاع المدني. فالمنطقة المُستهدفة تضم عدداً كبيراً من المحالّ التجارية، يزيد عددها على 100، ويقع المبنيان المُستهدفان داخل مربع من الأبنية السكنية التي تصدّع عدد من جدرانها، فيما أخلي المبنى الثالث المواجه للشارع نتيجة لتدمير الغارة عدداً من أساساته.
إثر الضربة، وسريعاً، ضرب الجيش وحزب الله طوقاً أمنياً حول المنطقة، ما ساعد سيارات الإسعاف، وآليات الدفاع المدني في الخروج والدخول بسرعة من المنطقة. وشمل الطوق مداخل المنطقة من طريق «الشهيد هادي نصرالله» شرقاً، وشارع «الجاموس» غرباً. ولكن لم تفلح هذه الخطوة في سحب أهالي المحاصرين تحت الأنقاض من أمام المباني المُستهدفة، ما عرقل وصول آليات الإنقاذ لفتح الطرقات، وأخّر عمليات الانتشال. سُحب الشهداء والمصابون أولاً من الشارع، والمحال المحيطة، والمبنى الأمامي المُتصدّع. ولكن ما إن دخلت آليات الإنقاذ أكثر إلى داخل المنطقة المُستهدفة، حتى تعقّدت جهود الإنقاذ أكثر، خصوصاً أنّ العاملين في الدفاع المدني، وفوج إطفاء الضاحية كانوا يعملون من دون أجهزة لاسلكية التي تفجّر عدد منها الأربعاء الماضي، ما أدّى إلى تعقيد عمليات الإنقاذ أكثر.
يُعدّ المرور في شارع «القائم» مغامرة غير محسوبة في الأيام العادية بسبب الاختناقات المرورية. في أوله مدرسة، وفي المنتصف واحد من أكثر المساجد ارتياداً واكتظاظاً في الضاحية الجنوبية، مسجد «القائم». وعبره تمرّ «فانات خط رقم 4» الشهيرة، وفي آخره ما يُعرف بين أهالي الضاحية بـ«سوق الصين العظيم»، حيث تباع مختلف أنواع البضائع الصينية المستوردة. تؤدي هذه العوامل وحدها إلى اكتظاظ لم يمر في بال أول من رسم مخطط الشارع الذي تحوّل من طريق فرعي، إلى «طريق دولي». وتزيد «العجقة» مع أكثر من 100 محل ومؤسسة تجارية ومعمل. وفي السنوات الأخيرة، افتُتح عدد أكبر من المحال التجارية، بعد تشييد مجمّع ضخم مكان «ملعب الراية»، حيث كانت تقام كلّ أنشطة حزب الله الشعبية.