نبيه البرجي-خاصّ الأفضل نيوز
أي دلالة سياسية , وعسكرية , أن تقطع مسيّرة للمقاومة اللبنانية عشرات الكيلومترات في الأجواء الإسرائيلية , بالرغم من المنظومات الدفاعية الهائلة , بما فيها منظومة "ثاد" لتنقضّ على منزل بنيامين نتنياهو في قيساريا ؟!
لعل من أكثر التعليقات إثارة كانت للكاتب تسفي بارئيل "ماذا حين يصاب المجانين بالجنون ..؟" .
في كل جلسات "مجلس الحرب" كان الرجل يستعرض , بلهجة بونابرتية , بل وبلهجة الفوهرر , ما فعله لتفريغ المقاومة من رؤوسها وتحويلها إلى جثة هامدة , وعلى حد قول أحد نواب الليكود "لم نقتل قائد حزب الله فقط . لقد قتلنا حزب الله" , بعدما كان ايتامير بن غفير قد سأل ما إذا كان "آيات الله سيسقطون بالسكتة الدماغية أم أنهم ينتظرون الضربة العسكرية ؟" .
صدمة في الدولة العبرية . الترسانة النوعية , تحديداً الاستراتيجية , لدى المقاومة لا تزال على حالها , كذلك الأدمغة الميدانية والتقنية . بعد كل ذلك الخراب , والتدمير السيكولوجي , كيف للمقاومة أن تصل , بمسيّرة , إلى منزل نتنياهو ؟ صحيفة "إسرائيل اليوم" سألت ما إذا كان مفاعل ديمونا الهدف المقبل . منشآت الغاز أيضاً , بما في ذلك المنصات , لا تستدعي سوى ثوان لتتحول إلى ركام , لنعترف بوجود معادلات معينة , وقواعد معينة , لا تزال , حتى اللحظة , تحكم مسار الصراع .
المفاجأة الأخرى بعد قيساريا , توجيه أصابع الاتهام إلى ايران بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية , لنؤكد ألاّ علاقة البتة للإيرانيين في إطلاق المسيّرة . الهدف من الاتهام محاولة ساذجة لاخفاء الفشل في القضاء على الأدمغة العملانية , والتقنية , في "حزب الله" , من جهة , ومن جهة أخرى التفلت من الضغط الأميركي لابقاء الرد على الغارة الإيرانية بعيداً عن المنشآت التي قد يؤدي ضربها إلى انفجار حرب كبرى , ما بدا جليّاً من حديث نتنياهو مع دونالد ترامب .
نتوقف عند المناقشات المثيرة في اجتماع وزراء دفاع دول قمة السبع (G7 ) في مدينة نابولي الإيطالية (الولايات المتحدة , بريطانيا , فرنسا , ألمانيا , إيطاليا , كندا و اليابان) . التباين كان واضحاً بين من يقرعون طبول الحرب ومن يحذرون من تفاعلات كارثية قد تفضي إلى نشوب الحرب العالمية الثالثة .
بين قارعي الطبول من اعتبر أن الحرب ضد حركة "حماس" , وضد "حزب الله" , وهما التنظيمان العقائديان المتجذران داخل البيئة التي ترعرعا فيها , يعني السقوط في الدوامة الدموية التي لا نهاية لها . لا مجال لكسرهما , ولا مجال لإزالتهما , في حين أن "المنطق" يستدعي ضرب الرأس الذي هو , في نظرهم , إيران , لأن مواصلة الإيقاع الحالي على الأرض هو , في نهاية المطاف , لمصلحة آيات الله بـ "التكشيرة الأيديولوجية" .
اللافت أن الأميركيين الذين , بطبيعة الحال , يجرون الدول الست وراءهم , لاحظوا , خلال الاتصالات التي جرت مع الإيرانيين على مدى الأسابيع الأخيرة , أن هؤلاء أظهروا براغماتية واضحة في التعاطي مع المشهد الحالي , وكذلك مع احتمالاته , فيما النظام يتوجس من إمكانية تقويضه , أو حصاره بالصورة التي تدفع نحو الانفجار الداخلي , في ظل احتقان اقتصادي بالغ الدقة .
إدارة جو بايدن لا تستبعد , بل تتوقع , أن يبادر آية الله خامنئي إلى إعادة النظر في الاندفاع الجيوسياسي لبلاده في المنطقة , ولكن بوجود محدود على ضفاف المتوسط , ما كان هاجس كل الأكاسرة على الهضبة الفارسية .
المستغرب أن وزير الدفاع الألماني بوريس بستوريوس الذي تحاول حكومته غسل يديها من دماء المحرقة (الهولوكوست) بدماء العرب , كان الأكثر تشدداً , ليتماهى كلياً مع موقف نتنياهو الذي يرى أن الجهود الديبلوماسية التي يبذلها الإيرانيون هي جهود تكتيكية , بعدما فوجئوا بأنهم زجّوا بحلفائهم في حرب لم يكونوا يتصورون قط أن تأخذ ذلك المنحى الأبوكاليبتي , ليحاولوا بعد فوات الأوان استدراك ما يمكن استدراكه .
بطبيعة الحال , يفترض بإدارة بايدن أن تخشى من انفجار المنطقة , وإغلاق مضيق هرمز , وباب المندب , ما يؤدي إلى ارتفاع مروع في أسعار النفط , لتسقط كمالا هاريس في صناديق الاقتراع , "مثلما تسقط القطة الجريحة" بحسب "وول ستريت جورنال" .
أيام عصيبة . أنتوني بلينكن وآموس هوكشتاين في الشرق الأوسط في محاولة ربع الساعة الأخير لإطفاء النيران في رأس بنيامين نتنياهو . جيفري غولدبرغ قال في مجلة "آطلانطيك" . "ربما كان ذلك بحاجة , على الأقل , إلى ... تدخل الملائكة " !!