نبيه البرجي_خاصّ الأفضل نيوز
منذ نحو ستة عقود , قال الكاتب المارتينيكي فرانز فانون (صاحب "معذبو الأرض") "غالباً ما يحمل الشيطان على ظهره الرئيس الأميركي الى البيت الأبيض" . من تراه يحمل الشيطان هذه المرة ؟ يفترض بالسؤال أن يكون هكذا "من يحمل بنيامين نتنياهو على ظهره ـ أو على جثثنا ـ الى البيت الأبيض؟" .
الرد البديهي دونالد ترامب . في باريس خائفون على لبنان ،على بقاء لبنان ، يزداد خوفهم بعودة الرئيس السابق الى السلطة ، وفي رأسه إرغام من تبقى من بلدان المنطقة ، بما في ذلك إيران ، على الدخول في "صفقة القرن" ، والتطبيع مع إسرائيل . وكانت قناة "فوكس نيوز" قد أوحت بأن زعيم الليكود ، وبالعمليات العسكرية "الكاسحة" في غزة ، وفي لبنان ، لتقويض كل قوة يمكن أن تشكل خطراً على الدولة العبرية ، فتح الأبواب أمام دونالد ترامب ، في حال فوزه ، لاستئناف دومينو التطبيع ، وبكل الوسائل اللازمة ، بعدما وعد بوقف الحرب في أوكرانيا من أجل التفرغ للصراع الكبير مع التنين .
المثير هنا أن القناة إياها التي يملكها روبرت مردوخ ، حامل مرتبة القديس جاورجيوس ، استعادت في مقاربتها للصراع ، بقصة هذا القديس التي تقول أن التنين كان يسكن في مغارة في منطقة "المدور" الحالية في بيروت حين اختطف ابنة ملك المدينة ، عام 280 م ، فعلم بذلك أحد جنود الفيلق الروماني المسيحي (أي جاورجيوس) وسمع صراخها ، فهبّ لإنقاذها ، وقتل التنين ، ليطوّبه البابا جيلاسيوس الأول قديساً ، عام 494 ، وشفيعاً للجنود ليقال أنه ظهر للجيش الصليبي في معركة انطاكية عام 1098 .
لكن أسطورة الغرب الآسيوي ، بخلفيتها اللاهوتية ، غير أسطورة الشرق الآسيوي ، بخلفيتها الاستراتيجية ، وحيث التنين التكنولوجي الذي تنبأ نابليون بونابرت بظهوره قبل آلان بيرفيت ، وزير العدل الفرنسي في عهد شارل ديغول ، بكتابه "حين تستيقظ الصين يرتعد العالم" .
الخوف الفرنسي ليس فقط من "جنون نتنياهو" ، وإنما من التفاعلات السياسية ، والطائفية ، في الداخل اللبناني ، بوجود جهات تحاول الذهاب بالحساسية التي لا بد أن يحدثها الانتشار العشوائي ، والكثيف ، للنازحين ، الى حدود الانفجار ، وبذريعة "تهديد وجودنا" . نائب وهو رجل قانون ، قال بـ"مناطقنا" ، وبأنهم "يشتموننا" . ماذا ترك صاحب السعادة لمن ترعرعوا في الأزقة ، على التعبئة الغرائزية بأبشع وجوهها ؟
ثمة أشباح تلعب داخل الحلبة . في ظن هؤلاء أن اللحظة مثالية للدخول الى "لبنان الآخر" . لن نتطرق الى التفاصيل وهي خطيرة ، وهي صادمة . لكن ما يتناهى الى بعض المراجع يجعلهم يبذلون أقصى الجهود لوقف النار الخارجية وقطع الطريق على النار الداخلية ، الأمر الذي يدركه جيدأ بنيامين نتنياهو ليمضي في سياسة الأرض المحروقة ، بتداعياتها الرهيبة عل الخريطة السياسية ، والخريطة الطائفية ، وحتى الخريطة التاريخية ، للكيان اللبناني .
فاجأنا مقال للجنرال غيبورا إيلاند ، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ، ويدعو فيه الى وقف القتال في غزة ، والإيحاء ببقائه في لبنان ، بعدما كان هو من وضع "خطة الجنرالات" التي تدعو الى تهجير الفلسطينيين من شمال غزة ، تمهيداً لتهجيرهم من كامل القطاع .
إيلاند لاحظ أن "الجمهور الذي كان يبكي لأيام على جندي قتيل ، يبدو أنه فقد هذا النوع من الاحاسيس ، لتغدو قلوبنا فظة حيال موت الجنود ، أفضل أبنائنا ، كما توقفنا كلياً عن التأثر حيال المصابين بجروح خطيرة . هؤلاء الذين يفقدون أطرافهم أو نظرهم ويدمر عالمهم" . ولكن أليس هذا ما يحصل لأولئك الجنود ، وهم ماضون في محاولاتهم الهستيرية ، أحداث "واقع إسرائيلي" في جنوب لبنان ، وربما في لبنان كله ... ؟
رجال المقاومة يبدون بطولات خارقة في مواجهة الغزاة وفي مواجهة القتلة . وهم رهاننا ـ ربما رهاننا الوحيد والأخير ـ بعدما أظهرت الغارات المجنونة ، كم أننا عراة في زمن استشرت فيه "عولمة اللامبالاة" على ما قاله السينودس (المجمع المسكوني) الأخير في الفاتيكان ،ودون أن نسأل أين المقامات والقامات الروحية والفكرية في الغرب في هذه "الأيام النازية" على أرض لبنان وفلسطين .
ولكن ألم تقم نظرية صمويل هنتنغتون (صدام الحضارات) والتي أوحت للقوى العظمى بكيفية صياغة سياساتها المستقبلية في إطار الصراع بين الحضارة اليهومسيحية والحضارة الكونفوإسلامية ، لكأن ما يجمع بين المسلمين والسيد المسيح ليس أكثر عمقاً وبالنص القرآني ،مما يجمعهم بكونفوشيوس على عظمته الإنسانية والأخلاقية .
ولكن مثلما يمتطي الرئيس الأميركي ظهر الشيطان ، يمتطي التاريخ أيضاً ظهر الشيطان ...