نبيه البرجي-خاصّ الأفضل نيوز
إنه الشرق الأوسط الذي وصفه المستشرق جاك بيرك بـ"المنطقة الضائعة بين الأرض والسماء" . دائماً على وقع الزلازل , ودائماً على وقع الحرائق . آية الله خميني الذي يقول المحللون الأوروبيون أنه خائف على النظام (الذي أوصى آية الله خميني بأبديته) , هدد بعملية "تحطيم الأسنان" ضد إسرائيل .
المتحدث باسم الحرس الثوري أكد أن رد بلاده على الغارات الإسرائيلية سيكون "حتمياً , حاسماً , قوياً , مدروساً , وسيفوق التصور .." . هل يعني ذلك أننا سنشاهد بنيامين نتنياهو إما مكبّلاً بالسلاسل أو ملفوفاً بالأكفان ؟
صحف اليمين في الدولة العبرية تحث الحكومة على توجيه ضربة استباقية , تؤدي إلى تقويض النظام الذي بات في نظرها يعاني من "التآكل البنيوي الحاد" . في هذه الحال يمكن للإسرائيليين إعادة الثقة بدولتهم التي لا تقهر , بعدما قهرت على أرض لبنان , وعلى أرض غزة .
المصادر الأطلسية توحي بأن القنبلة باتت بين يدي المرشد , تزامناً مع حصول إيران على صواريخ كورية شمالية قادرة على حمل رؤوس أو شحنات نووية , ما يعني إذا ما صحت هذه المعلومات ـ وهو مرجح ـ فإن المواجهة يمكن أن تأخذ منحى في منتهى الخطورة , وربما إلى العكس تماماً , في معادلة "الردع النووي المتبادل" .
في هذا الوقت تبدو إدارة جو بايدن , وبعد أن تحول الوضع في الشرق الأوسط إلى ورقة انتخابية لكلا المتنافسين , وهي توغل حيناً في المراوغة الديبلوماسية وحيناً في المراوغة العسكرية .
قائد القيادة المركزية الجنرال مايكل كوريلا زار تل أبيب للنسيق العملاني , ليعقب ذلك بيان لوزارة الدفاع (البنتاغون) جاء فيه أن االوزير لويد أوستن "يواصل القول أنه إذا استغلت إيران , أو شركاؤها , أو المجموعات التابعة لها , هذه اللحظة لاستفراد الأفراد والمصالح الأميركية , فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات للدفاع عن شعبنا" . هذا ما حمل الخبير الاستراتيجي الأميركي روبرت ساتلوف على التعليق ساخراً "لعل السيد الوزير لا يعلم أن أميركا تقع في شمال أميركا لا في غرب آسيا ..." .
البيان أضاف أن أوستن "أمر بنشر مدمرات إضافية للدفاع الصاروخي الباليستي , وكذلك أسراب من المقاتلات وطائرات النقل , فضلاً عن عدة قاذفات بعيدة المدى , على أن يبدأ العتاد في الوصول خلال الأشهر المقبلة" . المفارقة هنا قوله إن حاملة الطائرات أبراهام لنكولن تستعد لمغادرة المنطقة . هذا يعني أننا سنبقى طويلا على فوهة البركان , ما يثير التساؤل ما إذا كان لبنان سيبقى عالقاً هكذا بين نيران الجحيم ...
مصادر ديبلوماسية خليجية تنقل عن مسؤولين أميركيين أن أي "سوء فهم" بين الإيرانيين والإسرائيليين يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب في الشرق الأوسط لا تبقي ولا تذر "ونحن هنا لضبط الإيقاع , تفادياً لحدوث أي تدهور قد يستحيل احتواؤه" !!
"الفورين أفيرز" تتوجس من عواقب اندلاع أي صراع عسكري بين "الايديولوجيات المجنونة" في منطقة ظهرت فيها الحضارات الكبرى , والديانات الكبرى , وحتى الأساطير الكبرى . في الدورية ذاتها اعتقاد الإدارة أن الإيرانيين يتخوفون من تراجع وجودهم (وتأثيرهم) الجيوسياسي , ما يستدعي الحفاظ على مستوى معين من التوتر لاستخدامه في المفاوضات التي ترى فيها "الفورين آفيرز" "ذلك النوع الغرائبي من المقايضات" .
لكن الأميركيين يعتبرون أن الاستمرار "العشوائي" في اللعب على حافة الهاوية (Brinkmanship ) , وبسبب الاختلال في موازين القوى , ناهيك عن التأثير "المروع" للعامل الإيديولوجي في صياغة السياسات , وكذلك حال الانهاك التي يعاني منها العسكريون في الميدان , يمكن أن يفضي , هذه المرة , إلى السقوط في الهاوية , لتكون النتيجة ... الانتحار الجماعي !
بطبيعة الحال , لا بد للفوضى في المشهد الدولي أن تنعكس على المشهد الشرق أوسطي الذي يتوقع المخططون الاستراتيجيون على ضفتي الكرة الأرضية , أن يكون حلبة الصراع بين القوى التي تنضوي تحت مظلة النظام الدولي القائم على الاستقطاب الأحادي والقوى التي تدعو إلى الاستقطاب "المتعدد الرؤوس والمتعدد الأبعاد" .
أين أهل المنطقة من كل ذلك ؟ نخشى العودة إلى كلام برنارد لويس "تلك الكثبان الرملية التي تذروها الرياح" ..