محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
كان يوم جمعة، في 27 أيلول الماضي، وكانت بيروت منشغلة بفتح المدارس والمراكز أمام النازحين الذين خرجوا من قراهم ومدنهم، وكانوا لا يزالون على الطرقات من الجنوب إلى العاصمة، وكان "الدويّ" الضخم الذي هزّ الكيانات والقلوب قبل الأبنية والبيوت، وتغطّت بيروت بسحابة سوداء، وكانت الضربة الصاروخية الأولى للضاحية بهذا الشكل والحجم.
المتابع لمسار الأمور والاغتيالات شعر أن الضربة لا يمكن أن تكون عادية أو بسياق تدميري فقط، فالكلمة الأولى التي خرجت من أفواه شاهدت الحدث وسمعته كانت "السيد"، وفعلًا كان "السيّد" هو المستهدف، فإسرائيل أعلنت ذلك من خلال إعلامها والمتحدث العسكري باسم جيشها "لقد نفّذنا ضربة دقيقة لمقر قيادة حزب الله واستهدفنا أمينه العام حسن نصر الله ولم نتحقق من نتيجة الاغتيال بعد".
لم يكن العدو يعرف نتيجة المحاولة، ورفض محبُّو السيد نصر الله وضع احتمال نجاحها كأحد الخيارات المطروحة أمامهم بعد هذه الضربة، فكان إن سأل أحدهم ما إذا كان احتمال نجاح اغتيال السيد هو احتمال قائم كان يُقابل بوجه محتدّ، فمن أحبّ السيد كان يرفض فكرة "موته".
بعد ساعات من الصمت القاتل والأفكار المشوشة، جاء بيان نعي السيد نصر الله، فالخبر أصبح واقعاً والرجل استشهد، والمصاب كبير وجلل، لكن ذلك لم يمنع نسبة كبيرة من محبّي السيد أن يستمرّوا بتصديق فشل محاولة الاغتيال، فتارة يقولون أن هذه خطة أمنية يعتمدها الحزب، وتارة يستذكرون كلام السيد عن أن "الخبر ما ترونه لا ما تسمعونه"، فاستمرت حالة الإنكار ولا تزال.
ما عزّز نظرية حياة السيد بنظر المشكّكين باستشهاده أسئلة كثيرة لم تجد لها أجوبة، بدءاً من مسألة وجود السيد في ذلك المكان رغم علمه بأن إسرائيل تغتال كل قيادة الحزب وتعلم عنهم كل شيء، مروراً بالحادثة نفسها وكيف تمَّ العثور على جثمان السيد خلال ساعات قليلة رغم عمق المركز وقوة الصواريخ والتدمير والأنقاض، وكيف أن إيران أعلنت بداية فشل عملية الاغتيال ثم عادت وتراجعت، وكيف أنهم لم يشاهدوا جثمانه والحزب قرر تأجيل التشييع إلى وقت يُحدد لاحقاً، ولكن بالخلاصة فإن كل هذه الأسئلة كانت تكشف عن أمر واحد، وهو رفض هؤلاء التصديق ومحاولة البحث عن دليل لتدعيم نظريتهم.
نعت إيران السيد نصر الله وكان للسيد علي الخامنئي كلمة في هذا السياق نعى فيها أمين عام حزب الله، رغم ذلك استمرت حالة الإنكار لدى البعض، وظلوا يعتقدون أن السيد سيظهر، ومؤخراً كان كلام نائب رئيس المكتب السياسي في الحزب محمود قماطي حاسماً جازماً في هذا السياق.
بحسب معلومات "الأفضل" فإن قيادة الحزب يوم تمَّ اغتيال السيد نصر الله لم تُعلن عن استشهاده إلا بعد أن أصبح الجثمان أمامها، على عكس ما هو الحال اليوم مع السيد هاشم صفي الدين، حيث ترفض القيادة الحديث عن مصيره قبل السماح لعناصر الإسعاف بمعاينة مكان العدوان في المريجة، وتُشير المعلومات إلى أن استلام قيادة الحزب للجثمان جعلها تعلن الأمر ببيان، وكان التفكير بالتشييع حاضراً واتخذ القرار بدفن السيد في مكان سرّيّ كوديعة، أو ما يُعرف بالدفن بالأمانة وهي طريقة مستخدمة سابقاً وليست جديدة، إلى أن تنتهي الحرب حتى يُصار إلى تشييعه في مأتم مهيب يليق به وبمكانته لدى الناس، وهو ما لا يمكن فعله اليوم، حيث كان القرار بأن التشييع يجب أن يكون في الضاحية الجنوبية.
وبحسب المعلومات الخاصة بـ"الأفضل" فإن الحزب لم يعتد على إخفاء شهدائه، لذلك كان بيانه سريعاً فور التأكد من نجاح عملية الاغتيال، وعلى الجميع المضي قدماً على طريق الشهيد حسن نصر الله.
ربما أراد البعض عيش الحلم، وربما رفض البعض عيش الكابوس، وهذا حق الناس التي تبحث عن ذرة الأمل للتعلق بها، لكن الواقع أمر آخر، وبحسب قماطي يجب الاستيقاظ من الحلم وعيش الواقع والتصدي بقوة للعدوان الإسرائيلي.