نبيه البرجي- خاصّ الأفضل نيوز
لطالما قيل أن بنيامين نتنياهو شق الطريق بالجثث لا بالورود إلى الشرق الأوسط، لتجعلنا العلاقات الملتبسة نحتار من بين الاثنين يمتطي ظهر الآخر. الأمبراطور أم الحاخام؟ ولكن هل حقاً ما تشير إليه مجلة "أطلانطيك" من أن إسرائيل باتت تشكل الهاجس الاستراتيجي، وحتى الهاجس الإيديولوجي، للبيت الأبيض، بعدما أظهرت حرب السنتين في غزة أن الدولة العبرية بقدر ما تعاني من فائض القوة، تعاني من فائض الضعف؟
كل ذلك الجنون الدموي الذي ظهر في غزة، وفي لبنان أيضاً، بترسانة هائلة كان يمكن أن تغيّر حتى المسار التاريخي للشرق الأوسط، لم يصل بإسرائيل إلى اليوم التالي الذي يضج بالعناوين التوراتية، وبعدما أظهرت تعليقات الصحف الإسرائيلية أن أجهزة الاستخبارات لم تكن تتصور أن مقاومة حركة "حماس" يمكن أن تستمر لأكثر من أسابيع، ليثير ذلك تفاعلات بنيوية أن داخل المؤسسة العسكرية أو داخل المؤسسة السياسية، لتكون نهاية نتنياهو بين الزنزانة والمقبرة...
أشياء كثيرة حدثت وراء الضوء عن غضب المملكة العربية السعودية من موقف البيت الأبيض حيال خارطة الطريق إلى الدولة الفلسطينية التي أعدتها بالتنسيق مع فرنسا، والتي أيدتها عشرات الدول، من بينها دول أميركية وأوروبية، وكذلك بعد ضرب الدوحة، وقد اعتبرتها المملكة كما لو أنها ضرب الرياض، ليستقبل الأمير محمد بن سلمان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، وقد وصف اللقاء بـ"الهام جداً"، مع ما تعنيه السعودية للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، ومنذ لقاء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس فرنكلين روزفلت الذي قطع نصف المعمورة، وهو يحمل 7 كيلوغرامات من الحديد في ساقيه، بسبب شلل أصيب به وهو في التاسعة والثلاثين، من أجل ذلك اللقاء الذي أعقب مؤتمر يالطا في شباط 1945، وضم إلى روزفلت كلاً من جوزف ستالين وونستون تشرشل.
آنذاك، قال الديبلوماسي البارز افريل هاريمان الذي رافق روزفلت إلى المؤتمر إن الغاية من اللقاء الذي عقد على متن المدمرة "كوينسي" في قناة السويس، إرساء معادلات في الشرق الأوسط تحول دون أي فوضى يحدثها الوضع الدولي والإقليمي الذي كان ضبابياً إلى حد بعيد في تلك الفترة.
توماس فريدمان، الكاتب في "النيويورك تايمز"، حذّر من أي تداعيات زلزالية على المصالح الاستراتيجية للولايات إذا ما حصل أي تصعيد عشوائي بين واشنطن والرياض التي كثيراً ما كانت تسأل حتى في الداخل الأميركي "إلى متى اللهاث وراء بنيامين نتنياهو؟".
هل حدث انقلاب في شخصية دونالد ترامب بعدما لاحظ أن رئيس الحكومة الإسرائيلية وصل إلى الحائط بعد إخفاقه بترحيل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، دون أن يكترث بانعكاسات ذلك على اتفاقية كمب ديفيد، وبترحيل سكان الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية الذي يعني سقوط اتفاق وادي عربة.
مع الإشارة هنا إلى أن مصادر ديبلوماسية خليجية رأت في إعلان زعيم الليكود أنه في مهمة روحية من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى" رداً على الجهود الديبلوماسية التي يبذلها ولي العهد السعودي حول الدولة الفلسطينية، ليسأل المعلق الإسرائيلي ناحوم بارنياع ما إذا كان مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي فاجأ البيت الأبيض، قد سقط بين يدي ولي العهد السعودي، لتبدو الدولة الفلسطينية وراء الباب، دون إغفال الأداء الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين الذي هزوا حتى عظام تيودور هرتزل...
لاحظنا كيف كانت تكشيرة الذئب على وجه زعيم الليكود، وهو يحاول الآن أن يرتدي وجه الحمل في جريه وراء دونالد ترامب لإبقائه في السلطة، ومنع دخوله إلى الزنزانة، وإن كان من غير المنطقي الذهاب بعيدًاً في النظرة الوردية إلى التطورات، إذا ما أخذنا بالاعتبار مدى العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة والدولة العبرية، والتي تقوم على الوجود الراسخ للرؤى التوراتية في العقل السياسي الأميركي.
الآن يبدو أن انقلاباً ما حدث في المشهد. مفكرون وفلاسفة يهود على ضفتي الأطلسي عرفوا بتبنيهم للسياسات التي ينتهجها الائتلاف الحالي، ينددون الآن بتلك السياسات، إلى حد الدعوة إلى النظرة الواقعية للوضع الفلسطيني، بعدما أظهرت الأحداث ارتباط أهل غزة، والضفة، بالأرض التي يقيمون فيها، ما يقتضي إيجاد كيان قانوني لذلك الوضع.
الغريب هنا أن ايتامار بن غفير يكاد يلتزم الصمت المطبق حيال وقف النار في غزة، والانسحاب إلى خطوط متفق عليها، بانتظار الانسحاب الكلي، فيما زميله في الائتلاف وفي التطرف بسلئيل سموتريتش يعلن رفضه للخطة من أساسها.
ما يدعو إلى الانتباه قول دونالد ترامب "إن الشرق الأوسط سيكون عظيماً بعد عام من الآن"، مضيفاً بأن "أحداً لن يرغم على مغادرة غزة، بعدما كان أعضاء في "الكابينت" يقولون "... وليرحل الموتى أيضاً ومعهم قبورهم" حفاظاً على الأمن الاستراتيجي للدولة، وحتى للأمن الوجودي.
صحيفة "بوليتيكو" لاحظت أن "العزلة الدولية لنتنياهو باتت حقيقة ساحقة لا يمكن إلا أن تنعكس على بقائه في موقعه"، لتشير إلى أنها المرة الأولى التي يفرض فيها رئيس أميركي على إسرائيل خطة محددة حيال "تلك الحالة في الشرق الأوسط"، وذلك منذ عام 1956، حيث أمر الرئيس دوايت ايزنهاور كلاً من دافيد بن غوريون وموشي دايان بالانسحاب من شبه جزيرة سيناء.
لافت جداً أيضاً تصريح فلاديمير بوتين بأن "إسرائيل طلبت منا نقل إشارات إلى إيران مفادها أنها ليست مهتمة بالمواجهة، وملتزمة بالتسوية"، مع ورود معلومات بأن مباحثات تجري، منذ نحو شهر، بين واشنطن وطهران. هل ينعكس ذلك إيجاباً على لبنان؟
بطبيعة الحال نعم، ترامب قال إنه عيّن في لبنان سفيراً رائعاً. هذا كلام له دلالاته الحساسة على الساحة اللبنانية التي تتخوف من قيام نتنياهو باستئناف الحرب بعد بدء تنفيذ الخطة الأميركية في غزة.
في ظل كل ذلك أي "شرق أوسط عظيم" بعد عام؟ لبنان لاس فيغاس أم البيفرلي هيلز؟!