كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
الأحداث المتسارعة في سوريا، لا سيّما العسكرية، والتي تزامنت مع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والعدوِّ الإسرائيليِّ عند الرَّابعة من فجر ٢٧ تشرين الثاني الماضي، طرحت أسئلة حول التَّوقيت في فتح الحرب من جديد على سوريا، والتي تحوَّلت إلى كونيَّة بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية فيها مباشرة بدعمٍ عسكريٍّ للمعارضة السُّوريّة، التي بدأت بمطالب إصلاحيّة وبأسلوب سلميٍّ قبل ١٣ عامًا، لتتحوَّل إلى قاعدة عسكريّة للجماعات المسلَّحة من تنظيمات إسلاميّة متطرِّفة، التي حظيت بغطاء تركيٍّ عسكريٍّ وسياسيٍّ، إذ سهَّلت أنقرة للمجموعات المسلَّحة الموصوفة إرهابيَّة، التَّحرُّك في شمال سوريا وشرقها، وفي المناطق الحدوديّة السُّوريّة - التُّركيّة، حيث أخذت ما سمّي بـ "ثورة سوريّة" من اسطنبول مقرًّا لها، ولم تقصر دول عربية في دعم "الثُّوار" واحتضانهم، كمثل قطر والسُّعوديَّة والإمارات إلى أن استكشفت أهدافهم، فتراجع هؤلاء عن قرار إخراج سوريا من جامعة الدول العربية التي عادت إليها.
ولم تتأخَّر القيادة السُّوريَّة، برئاسة بشار الأسد، عن التَّجاوب مع الشِّعارات التي رفعها المطالبون بالإصلاح، فعُقد لذلك مؤتمر شاركت فيه هيئات وأحزاب وتجمُّعات تدعو للإصلاح، فكان القرار بتوسيع المشاركة في السُّلطة عبر قانون للانتخابات النِّيابيّة، كما أشرك الرئيس الأسد أحزابًا معارضة في الحكومة، إلَّا أنَّ دولًا خارجيَّة صمَّمت على إسقاط النِّظام، منها لأسباب سياسيّة، كتركيا التي أرادت إشراك "الإخوان المسلمين" في السُّلطة، وطالبت لهم برئيس حكومة، مُتناغمة مع "ثورات" اندلعت في دول عربيَّة، تحت مُسمّى "الرَّبيع العربيّ" بدعم أميركي صرَّحت واعترفت به وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي أعلنت أنها وبتأييد من الرئيس الأميركي باراك أوباما، قرَّرت الإدارة الأميركيَّة دعم وصول "الإسلام السِّياسيّ" إلى الحكم في بعض الدُّول العربيّة، فبدأت في تونس وانتقلت إلى مصر فاليمن وسوريا، حيث عمَّت الفوضى المسلَّحة في هذه الدول فاستعاد الجيش المصري زمام المبادرة، وطرد "الإخوان المسلمين" من السُّلطة، كما تمكَّنت تونس من إخراج "حركة النَّهضة" من الحكم أيضًا، ودخلت ليبيا واليمن وسوريا في حروب داخليَّة لم تنته بعد.
وإشعال الحرب على سوريا، بعد أن تمكُّن الجيش السُّوريّ بمشاركة حلفاء له من روسيا وإيران و"حزب الله" في لبنان من السَّيطرة على كامل سوريا، باستثناء شمالها وشرقها وإدلب، فله ارتباط مباشر بموقع سوريا في محور المقاومةِ الذي يمتدّ من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وأن سوريا تشكِّل عمقًا للمقاومة في لبنان، التي احتضنتها سوريا منذ أيَّام الرَّئيس الرَّاحل حافظ الأسد واستمرَّت مع نجله بشار الذي رفض التَّخلّي عن المقاومةِ، وهدَّده وزير الخارجيّة الأميركي الأسبق كولن باول بعد الغزو الأميركي للعراق في نيسان ٢٠٠٣، أن يقفل معبر سوريا أمام سلاح "حزب الله"، ويقطع علاقته مع إيران التي تتوسَّع في المنطقة، وأن تخرج فصائل المقاومة الفلسطينيّة من دمشق، لكنَّ الرَّئيس الأسد لم يرضخ للتَّهديد الأميركي، فنفَّذَت واشنطن مطالبها، بأن أصدرت قرارًا من مجلس الأمن الدّولي رقمه ١٥٥٩ في مطلع أيلول ٢٠٠٤، وفيه منذ الانسحاب السُّوري من لبنان، الذي كان يؤمِّن غطاءً لـ "حزبِ اللّه" فيه، ووقفت سوريا إلى جانبه أثناء حربَي إسرائيل عليه وعلى لبنان في تموز ١٩٩٣ ونيسان ١٩٩٦.
فما يحصل في سوريا، بدأ بعنوان إصلاحيٍّ، ثمَّ بإسقاط الرَّئيس الأسد، لكن النِّظام صمد وبقي محور المقاومةِ، الذي قرَّر العدوُّ الإسرائيليُّ اقتلاعه، فبدأ في غزّة بعد عمليّة "طوفان الأقصى"، فوصل إلى لبنان الذي ساند "حزب الله" فيه غزّة، وأعلن رئيس حكومة العدوِّ الإسرائيليِّ بنيامين نتنياهو بأنَّه انتصر على "حماس" وفصل بينها وبين "حزبِ اللّه"، وهو يكمل قطعه لمحور المقاومةِ في سوريا، ليكمله إلى اليمن بإضعاف الحوثيين والعراق بإقصاء الحشد الشَّعبي، فتضعف عندها إيران بضرب أذرعتها، ويصبح إسقاط نظامها سهلًا، واقتلاع "محور الشَّرِّ" من رأسه في إيران، وينشأ "شرق أوسط جديد"، خالٍ من الفقر والاستبداد، وفق ما أعلن نتنياهو، الذي شجَّع "الجماعات المسلَّحة" أن تُعاود إسقاط النِّظام في سوريا.