رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
تشخص عيون اللُّبنانيين اليوم، نحو متابعة تطورات المعارك وأحداث سوريا المتسارعة، وربما تداعياتها السلبية على بلاد الأرز، في الوقت الذي ما زالت ممارسات الاحتلال الصهيوني في القرى الجنوبية المتاخمة لحدود فلسطين المحتلة، موضع إثارة وقلق بالغَين، بما يتعلق بعودة الأهالي إلى بيوتهم في المنطقة، بعد عمليات الجرف المتعمَّدة للمنازل والبنية التحتية والأراضي الزراعية، ذلك أنّ التحوّل الذي يجري في سوريا، هو نتاج استدارة دولية بشأن مقاربة القضية السورية من جهة، والإيرانية من جهة أخرى، فما يجري في سوريا، كان حسب توقيت أميركي وفي وقت ميت، بين رئيس تنتهي ولايته رئيس لم تبدأ ولايته بعد، وكذلك موعد استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، حيث إنه وسْط كلّ المتغيّرات في المنطقة، تترقب أوساط دولية مطّلعة على المشهد اللبناني أداء الطبقة السياسية اللبنانية، لذلك ستكون جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل، تحت المجهر الدولي لناحية انتخاب رئيس يحظى بدعم دولي أو الذهاب نحو الغرق، في وقت وجدت الإدارة الأميركية، أن هناك ظرفاً مثالياً من أجل إعادة النظر في جميع أوراق الشرق الأوسط وأوكرانيا، ولذلك سارعت وحركت نار التطورات العسكرية في سوريا، بالتنسيق مع أطراف عديدة في الفترة الواقعة بين ولايتين لرئيسين أميركيين، وهي تعتبرها أصلح ما تكون لإدارتها، من دون أن تحمل تبعات الحرب والسلم، بل ترحّل التبعات لعهد الرئيس دونالد ترامب، القادم في العشرين من كانون الثاني 2025، والغرض من ذلك كلّه إغراق الإدارة الأميركية الجديدة بالأزمات.
لكن ثمة حذر لبناني من إمكانية وصول وعبور مسلحي التنظيمات المتطرفة إلى الحدود اللبنانية، وإعادة مشهد وجود جبهة النصرة، وجماعة داعش في جرود عرسال، والمواجهة التي حصلت مع الجيش وقوى الأمن الداخلي، وأدَّت إلى سقوط عدد من العسكريين شهداء الانتقام الداعشي، ولذا صار تعزيز وجود الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا أمرًا ضروريًّا لناحية التعداد البشري، ولتأمين انتشار الجيش في جنوب الليطاني، والقيام بالمهام الموكلة إليه بموجب القرار ١٧٠١ واتفاق وقف العمليات الحربية، وهو ما زاد من الضغوط الأمنية التي تتعرض لها المؤسسة الوطنية، في ظروف محلية وإقليمية بالغة التعقيد، وفي ظل أوضاع غير مريحة، تحيط بواقع الجيش، ضباطاً وجنوداً، منذ وقوع الانهيار المالي قبل خمس سنوات.
فما يجري على الأرض السورية يتجاوز الجغرافيا، في هذا البلد الشقيق الداعم للمقاومة ولبنان على مدى عشرات السنين، ويتعدَّاها نحو الفضاء الإقليمي، لكن الدخول الإسرائيلي على خط الأحداث في سوريا، يؤسس لاستغلال هذه التطورات، للمساهمة في ضرب الوجود الإيراني في الخاصرة السورية، وبالتالي وقف الإمدادات إلى المقاومة في لبنان، مستفيداً من التطورات على الأراضي السورية، وانشغال الأطراف الدولية والإقليمية بمسارها، ليقوم بتعزيز مواقعه في القرى الجنوبية المحتلة، وفرض أمر واقع جديد، لم يتمكَّن من تحقيقه إبان المعارك العسكرية، في محاولة مكشوفة لإقامة منطقة منزوعة من السلاح، وخالية من السكان، على حساب تدمير قرى الحدود اللبنانية، ومنع كل إمكانيات عودة الحياة إليها.
إذن فلبنان أمام خطرين، الإسرائيلي جنوباً، والتطورات السورية، فيما لا يزال الشلل يضرب شرايين المؤسسات الدستورية، وكذلك الخلافات المستحكمة بين الأطراف السياسية، التي تحول دون التوصل إلى توافق حول الحلول الوطنية الإنقاذية، وبالتزامن، فتحت أميركا الحرب على سوريا لتضع يدها على الشمال السوري، حيث حقول النفط والغاز، وفتحت البوابة للفصائل الإسلامية الإرهابية، بعد أن أمضت فترة طويلة وهي تدربها على السلاح الجديد، وعلى النوعية السريعة للعمليات العسكرية، وكيفية إسقاط الجبهات قبل الوصول إليها واحتلالها، فما يجري في سوريا، قرار أميركي خالص، بمشاركة كل من تركيا وروسيا وإسرائيل، حيث مهَّدت الأخيرة للقرار الأميركي، بضرب جميع المعابر والجسور بين لبنان وسوريا، وقد مَنَحَها قرار وقف إطلاق النار، فرصة تاريخية لم تكن موجودة، عبر التدخّل لحماية نفسها، حيثما تجد حاجة لذلك، فالقرار أطلق يدها في لبنان، ولذلك بادرت للقبول به، والاشتغال على الجبهة السورية.
أخيراً فإن الأهداف الأميركية في سوريا واضحة، تبدأ من حماية قواعدها العسكرية، ووضع يدها على جميع حقول النفط والغاز في الشمال السوري، وإبعاد الدولة السورية وإيران عنها، والأغراض الإسرائيلية في الشمال السوري، واضحة هي أيضا، تكمن في وضع يدها على مخابئ اللأسلحة الإيرانية لحزب لله، وجعل طرق إمداداتها ومطاراتها تحت المراقبة، كذلك الأهداف التركية تظهر في منطقة عازلة في الشمال السوري، تؤمّن لها الاستقرار والأمن والسيادة المطلقة هناك، فلا تهديد لها، لا من الدولة السورية، ولا من حكومة قسد وسائر الميليشيات الكردية، وقد تحولت المنطقة، من غزة إلى لبنان، وصار لبنان دولة خاضعة لوصاية دولية أميركية مباشرة، وبتنا نرى السفيرة ليزا جونسون في كل مناسباتها برفقة جنرال أميركي، فلم تعد عبارات العجز عن انتخاب رئيس في لبنان مقنعة لدى واشنطن، وباريس وعواصم القرار العربية والغربية، بل إنّ السياسة الخشنة التي سيتّبعها ترامب آتية لا محالة، ولذلك فإن القوى السياسية وجدت نفسها اليوم، بحسب مصادر دبلوماسية حصل عليها "الأفضل نيوز" أمام معادلة جديدة، تقوم على انتخاب رئيس يحظى بدعم دولي، وتشكيل حكومة قادرة وتطبيق اتفاق وقف النار بكل حذافيره، أو الذهاب نحو الغرق والفوضى والفتن المتنقلة.