نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
اليوم وأكثر من أي يوم آخر ، تتبلور الخطة الإسرائيلية لتفكيك سوريا . من الطبيعي أن تكون المرحلة الراهنة مرحلة انتقالية ، ولكن أن يكون الفراغ السياسي والأمني قاتلاً إلى هذا الحد ، ودون أن يرتفع صوت في وجه الانتهاكات البرية والجوية التي يبدو جلياً أنها لا تهدد الأمن الاستراتيجي للدولة السورية فحسب ، بل وحتى أمنها الوجودي .
الاستيلاء على الجزء السوري من جبل حرمون خلع خط فض الاشتباك الذي وضع باتفاق بين سوريا وإسرائيل (كانون الثاني 1974 ) برعاية وزير الخارجية الأميركية آنذاك هنري كيسنجر ، ثم إقامة منطقة عازلة . الأخطر من ذلك بحث حكومة بنيامين نتنياهو في احتلال مدينة السويداء والمناطق الدرزية التابعة لها لإقامة حكم ذاتي فيها يكون تابعا ً للإدارة العسكرية في الجولان .
في هذه الحال ماذا عن منطقة حاصبيا في الجنوب وعن منطقة راشيا في البقاع وعن منطقة الشوف في جبل لبنان، وكان ذلك في إطار تصور إسرائيلي بدأ يتبلور في بدايات الخمسينات من القرن الماضي في المراسلات الشهيرة بين دافيد بن غوريون وخلفه في رئاسة الحكومة موشي شاريت ؟
العمليات البرية تتزامن مع غارات جوية يبدو أن الغاية منها تفريغ الدولة السورية من مقوماتها الأساسية لا سيما في المسائل العسكرية والأمنية وصولاً الى تدمير مركز البحوث العلمية في دمشق . في نظر إسرائيل لا دولة سورية الآن، ولا دولة سورية غداً ...
واضح أن ما حدث في الأيام الأخيرة ، والتي انتهى فيها حكم الرئيس بشار الأسد لا يمكن أن يكون بالقوى الذاتية لأبي مالك الجولاني (أحمد الشرع) . ثمة أشباح وثمة أيدي غليظة وتعمل وفق سيناريو محدد . ولكن إذا بدت ملامح وجه هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي والرئيس السابق للاستخبارات التركية الذي قاد "الربيع السوري" عام 2011 في المشهد الحالي، من هي الوجوه الأخرى وأين هي نقطة التقاطع بين المصالح التركية والمصالح الاسرائيلية حول سوريا ؟
وراء الضوء كلام عن كوندومينيوم (حكم ثنائي) تركي ـ إسرائيلي في سوريا يكون المدخل إلى إدارة الشرق الأوسط . بالطبع تحت رعاية المايسترو الأميركي .
في هذا السياق (المنزلق الخطير) ،هل أن الجهة التي أبدلت اسم تلك الجماعة المسلحة من "جبهة النصرة" إلى "هيئة تحرير الشام" كانت تتوخى تغيير هوية الجماعة التي يعتبرها الأميركيون منظمة إرهابية فقط ، وقد تم أيضاً تغيير "لوك" الجولاني ، أم كان الهدف توسيع المدى الجغرافي لعمل الجماعة كون مصطلح "بلاد الشام" يشمل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين إضافة الى مناطق أخرى مثل منطقة الجوف ومنطقة تبوك في السعودية، ومدينة الموصل العراقية ، كذلك جزء من شبه جزيرة سيناء المصرية .
ثمة قائد في "الجيش السوري الحر" قال لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن من أولويات النظام الجديد عقد السلام مع إسرائيل . في هذه الحال ،ما هو وضع مرتفعات الجولان التي وصفها الرحالة بـ"فردوس الماء"وهي الأرض السورية المحتلة والسقف الصخري لمدينة دمشق . ولطالما شكلت الهاجس الاستراتيجي وحتى الهاجس التوراتي للدولة العبرية .
في حرب عام 1973 ، كاد الجيش السوري يصل الى جسر بنات يعقوب . بالتالي شق إسرائيل الى نصفين ، ما حمل غولدا مئير على إعطاء الأوامر بنصب الصواريخ النووية لضرب دمشق التي قال سفر اشعيا أنها "تزول من بين المدن وتصبح ركاماً من الأنقاض" .
في هذه الحال ماذا عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا (الطبيعة الخلابة إضافة الى الموقع الجغرافي ) ؟ ذات يوم قلت لوزير خارجية لبناني "يا معالي الوزير حين كان مجلس الأمن يبحث في إرسال قوات دولية (الأندوف) الى المنطقة الفاصلة بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان ، تم توزيع خارطة للمنطقة على أعضاء المنظمة الدولية، تظهر فيها تلك المواقع اللبنانية كجزء من الجولان ، فكيف لم تعترضوا على ذلك في حينه ؟" كان جوابه مثيراً للذهول بل صادماً "كانت الخارطة صغيرة ، وقد تعذر علينا رؤية تلك المواقع" .
لا نتصور أنكم كنتم تتوقعون هذا الرد من وزير للخارجية . كتبت عن "ديبلوماسية القردة" . اتصل بي غاضباً ، وكنت أتمنى لو أقام دعوى ضدي بعدما هدد بذلك . لم يفعل تفادياً للفضيحة .
زميل عربي في واشنطن قال لي "تتحدثون كثيراً عن الزمن الأميركي في الشرق الأوسط وقد تكرّس لا محالة . ولكن لا تنس أنه "زمن إيفانكا" ، ابنة دونالد ترامب التي لا ترى في إسرائيل ، بحكم اعتناقها اليهودية ، الايقونة الأميركية فحسب بل الأيقونة الالهية" ، لتقول انها قرأت "صفحات كثيرة" عن المنطقة ، وأبهرتها دمشق وبغداد والقاهرة .
سوريا الآن . الضربات الإسرائيلية الصديقة وقد لاحظتم أن ما من أحد من الذين تصدروا الشاشات في دمشق رفع صوته اعتراضاً على ذلك، إنه الدخول في المتاهة الكبرى . إذ رأينا قيادات معارضة باللحى الأفغانية رأينا قيادات بربطات عنق فاخرة . كيف تمكن المواءمة بين ثقافة تورا بور وثقافة البيفرلي هيلز ؟
مرة أخرى خائفون على سوريا ، وأهل سوريا الذين هللوا للتغيير . التغيير باتجاه ماذا ؟ لا نتصور أن الأشباح ترد علينا ...