كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
بعد أن أعلنَ عن مغادرةِ الرَّئيس السُّوريِّ بشار الأسد سوريا، ودخول المجموعات المسلَّحة إلى دمشق، حتّى بدأ خصوم النِّظام السُّوريِّ في لبنان، يحتفلون بما حصل، وفي خلال عشرة أيَّام، كانت المدن الكبرى تتساقط أمام تقدّم المسلَّحين، دون حصول مواجهات، أو وقف الزَّحف الَّذي كان سريعًا، دون أن يلقى مواجهة من الجيش السُّوري، الذي كان يصدر بيانات عن تموضع وإعادة انتشار وتعزيز للقوات، ثم تأتي الأخبار عن أنَّ الجيش انسحب من المدن، ليجنِّب سكَّانها القتل والدَّمار، وهذا ما حصل في العاصمة السُّوريّة، التي دخلها "الفاتح أبو محمد الجولاني" كما وصف، ثمَّ عرّف عن نفسه بأنَّه أحمد الشرع، وظهر بمظهر مدنيٍّ، وخطاب غير متطرِّف بالحفاظ على مكوِّنات المجتمع السُّوريّ، ودعوة إلى أن تبقى المؤسَّسات تعمل.
فما حصل في سوريا، يخصُّ الشَّعب السُّوريَّ، في الإصلاح، إضافة إلى تداخل عوامل إقليميّة ودوليّة ومصالح أمم، وموقع سوريا في محورِ المقاومة وعلاقتها بإيران، وتحالفها مع روسيا، فهذه مسائل تخصُّ الدَّولة السُّوريّة، في عهد الرِّئيسَين حافظ وبشار الأسد، وخلال تولِّي حزب البعث السُّلطة، وانتظار كيف سيحكم من استولوا عليها بقيادة "الجولاني" الذي سارع إلى تعيين رئيس حكومة من جماعته، دون أن يأخذ برأي مجموعات المعارضة الأخرى.
فما حصل في سوريا، ما زال تحت الدَّرس والمراقبة والقراءة، إلَّا أن في لبنان، من خرج سريعًا وبعد ساعات ليعلن انتصاره هو، وأوّل هؤلاء رئيس حزب "القوّات اللّبنانيّة" سمير جعجع، الذي له عبارة مشهورة مع بدء ما سُمّي "الربيع العربي" فليحكم "الإخوان"، وكانوا وصلوا إلى السّلطة في تونس ومصر واليمن، وها هم يتولُّون السُّلطة في سوريا، تحت اسم "هيئة تحرير السّلم"، التي تراجعت عن خطابها الدِّيني المتطرِّف، وأسلوب القتل، إلى المرونة والانفتاح وأداء مضبوط إلى حدٍّ ما، ليقدِّم "الجولاني" صورة عنه مختلفة عندما كان في تنظيم "القاعدة" و"داعش".
فالاستثمار بما حصل من تغيير للنِّظام في سوريا، كان سريعًا، فاستعجل جعجع أن يسلِّم "حزب الله" سلاحه، وأن إيران انتهى نفوذها في لبنان، وأن محورها انهار في المنطقة، ليتبعه رئيس حزب الكتائب نديم الجميّل، وبصوت عالٍ وبلهجة تحدٍّ، أن يسرع "حزبُ اللَّه" في إنهاء وجوده المسلَّح، ولا عودةَ إلى الماضي، لأن زمن الوصايات والاحتلال للبنان ولّى، وكان آخرها "الاحتلال الإيراني".
ومثل موقف "القوَّات اللبنانيّة" والكتائب، صدرت تصريحات عن أحزاب وقوى سياسيّة، كانت منضمّة لـ "قوى ١٤ آذار" التي رفعت منذ أكثر من عقدين، شعار الانسحاب السُّوري من لبنان، والذي حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي ومع سقوط النِّظام السُّوري، فإنَّها تتطلَّع أن تكون السُّلطة لها، ويأتي رئيس الجمهوريّة منها، ومعه رئيس حكومة، حتّى ولو غاب عن المشاركة الثُّنائي "أمل" و"حزب الله" وحلفاء لهما.
فموازين القوى تغيّرت مع هزيمة "محورِ المقاومة" وخروج إيران من معادلة المنطقة، وأن "حزب الله" بات ضعيفًا جدًّا، ولم يعد قادرًا على تعطيل الانتخابات الرئاسية ليأتي برئيس جمهورية لا يغدر بالمقاومة ولا يطعنها بظهرها، فمثل هذه المقاومة لم تعد موجودة، برأي جعجع والجميّل وأمثالهما، لتبقى على شعارها، كما لم تعد مقولة "الجيش والشعب والمقاومةِ" سارية المفعول ليتمسك بها رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وبعده النائب حسن فضل الله، وقبلهما الأمين العام لـ "حزبِ اللّه" الشيخ نعيم قاسم.
فخصوم المقاومة، يريدون منها أن تسلِّم بهزيمتها العسكريّة، وأن سلاحها ليس صالحًا لحماية لبنان، وعليها أن تسرع لتسليمه إلى الجيش اللُّبنانيّ أو بيعه وردّه إلى إيران، كما اقترح جعجع على لبنان، في وقت حدد الجميل عناوين للسُّلطة الجديدة، التي ستظهر مع التَّغييرات في سوريا، وهي محاكمة المرحلة التي سيطر فيها "حزب الله" على السُّلطة كما يقول الجميل، الذي سيأتي بحبيب الشرتوني الذي اغتال بشير الجميّل، لأنه تعاون مع الاحتلالِ الإسرائيليِّ، إضافة إلى أنَّ لبنان أصبح حرًّا، وفق قراءات جعجع والجميّل، وسبق لهم، وأطلقوا الرَّغبات، لكنَّها لم تتحقَّق.