عماد مرمل -خاصّ الأفضل نيوز
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو شهر، والعدو الإسرائيلي يمعن في خرقه يوميًّا، وبأشكال مختلفة، حتى أصبح عدد الخروقات بالمئات، من الجنوب إلى البقاع الذي تعرض بالأمس لأول غارة جوية منذ بدء سريان مفعول الاتفاق، مرورا فوق بيروت والضاحية حيث لا تكف المسيّرات عن التحليق في أجوائهما في انتهاك فاضح للسيادة اللبنانية.
وعلى الرغم من أن لجنة الإشراف والمراقبة باشرت عملها رسميا وتلقت جرعة تحفيزية خلال اجتماعها مع الرئيس نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية، إلا أنها لم تنجح بعد في وقف الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة، ما دفع إلى طرح علامات استفهام حول فعالية تلك اللجنة وجديتها، علما أنها برئاسة جنرال أميركي وتضم في عضويتها جنرالاً فرنسيًّا، وهما يمثلان الجهتين الدوليتين المفترض أنهما ضامنتان لوقف إطلاق النار.
ولعلَّ التفسير الأسوأ والأخطر لهذه الانتهاكات هو ذاك الذي يعتبرها ترجمة لضمانات أميركية جانبية منحت تل أبيب حرية الحركة في لبنان لضرب أي هدف قد ترتاب فيه وتخشى من أن يشكل تهديدا لها، ذلك أن من شأن مثل تلك الضمانات، إذا صحت، أن تنسف جوهر اتفاق وقف إطلاق النار وتتركه رهينة "التهيؤات" الإسرائيلية ومزاج الاحتلال، مع الإشارة إلى أن لبنان ليس معنيًّا أصلا بتفاهم جانبي ليس جزءا من الاتفاق الذي وافق عليه.
ولكن، لماذا لا يزال حزب الله يتفادى الرد العسكري على الخروقات المتمادية التي أدت إلى ارتقاء شهداء وسقوط جرحى وتدمير منازل والتوغل في أراض لم يستطع العدو احتلالها خلال القتال؟
يؤكد العارفون أن الحزب يراقب بدقة كل ما يجري، وهو يرصد الاعتداءات الإسرائيلية من جهة والمحاولات الدبلوماسية للجمها من جهة أخرى، مفضلا التمهل في التصدي لها انطلاقا من الاعتبارات الآتية:
_ تأكيد التزامه باتفاق وقف إطلاق النار واحترام مندرجاته وبالتالي فضح حقيقة النيات الإسرائيلية حياله.
_ السماح للناس بالتقاط أنفاسهم ولملمة جراحهم بعد العدوان الأخير والسعي إلى عدم منح العدو أي ذريعة لتوسيع اعتداءاته.
_ إعطاء الدولة اللبنانية والجيش أقصى الفرص الممكنة لإثبات قدرتهما على تحمل مسؤولية حماية الأمن والسيادة في مواجهة السلوك العدواني الإسرائيلي.
_ إعادة تظهير حقيقة معروفة ولكن البعض يتعمد التغاضي عنها وهي أن الاحتلال لا يحتاج إلى ذرائع ليعتدي على لبنان، حتى لو كانت المقاومة متقيدة بضبط النفس كما يحصل منذ شهر تقريبا.
_ اختبار موقف القوى والشخصيات التي تسمي نفسها سيادية، وإثبات ازدواجية المعايير لديها عندما تصمت تجاه التجاوزات الإسرائيلية وتنتفض في المقابل على أي رد فعل من قبل المقاومة.
_ إلقاء الحجة على أصحاب نظرية أن القرارت الدولية ومظلة الدولة اللبنانية تكفي وحدها لحماية لبنان، ووضع هذه المعادلة أمام امتحان بالذخيرة الحية على الملأ.
_ الاستفادة من التجربة الحالية في أي نقاش مستقبلي حول الاستراتيجية الدفاعية والتأكيد بأن معادلة الجيش والشعب والمقاومة لا تزال هي الأجدى ولم ينته مفعولها.
_ إيصال اللبنانيين الحريصين حقا على سيادة بلدهم وكرامته إلى استنتاج موضوعي بأن الحاجة إلى سلاح المقاومة لم تنتف بعد وبأن هذا السلاح هو جزء أساسي من أوراق القوة التي لا يجوز التفريط بها.
_ الانتظار حتى انتهاء مهلة الستين يوما المحددة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي واكتمال عملية حلول الجيش مكانه، بحيث إنها ستكون مهلة "تبرئة الذمة" بالنسبة لحزب الله وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه تبعًا للمسار الذي ستتخذه الأمور لاحقا.
_ تجميع كل الأدلة القاطعة التي تدين العدو وتضبطه بالجرم المشهود، بحيث تستند إليها المقاومة لتطبيق حق الدفاع عن النفس والسيادة في التوقيت المناسب من دون أن يلومها أحد، ما لم ينجح المسعى الدبلوماسي في تحقيق مبتغاه.