رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
تتوجَّه الأنظار اليوم إلى الجلسة النيابية المخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد فراغ قاتل لأكثر من سنتَين في سدّة الرئاسة الأولى، بسبب الانقسامات السياسية الحادة والممارسات الدستورية الخاطئة، التي انتهجتها بعض القوى السياسية في لبنان لتعزيز موقعهم التفاوضي ووضع شروط على شخص الرئيس، بغية تكبيل عهده الرئاسي حتى قبل انطلاقه.
لا يجب أن يبقى لبنان وشعبه، متأرجحاً بين تكتلات سياسية متخصصة بهضم الحقوق والعبث بالدستور، واقتسام المغانم وتعزيز المحسوبيات والولاءات الطائفية والمذهبية، حيث المطلوب اليوم، تعزيز الثقة بلبنان، وإعادة بناه الفوقية وإبراز تأثيراته الحضارية المتمايزة في منطقة الشرق الأوسط، ما يعزز حضور الهوية اللبنانية وتكاملها مع المحيط العربي وتناغمها دولياً، حتى يهنأ هذا الشعب بعد المعاناة والعذابات التي عاشها لعشرات السنين.
فأهمية جلسة اليوم أنها الجلسة الأولى المخصصة لانتخاب الرئيس بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، كما وهي الأولى بعد سقوط النظام في سوريا، والذي دخلت المنطقة بعده في حقبة جيوسياسية جديدة ما زالت طور التكوين، وهناك مسافة ليست قصيرة لتلمُّس هذه المتغيرات وبناء تحالفاتها الاستراتيجية وتأثيراتها على لبنان والمحيط العربي، وهي ستُرخي بظلالها حتماً على هذا البلد، وعلى العهد المقبل منذ اللحظة الأولى لبدء ولاية الرئيس العتيد.
كذلك هناك شيء أساسي حاسم ومؤثِّر، ربما سيفرض نفسه على جلسة انتخاب الرئيس، ألاَ وهو التحرّك المباشر والفاعل والحاسم للموفد السعودي المكلّف بالملف اللبناني، الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان آل سعود، الذي كانت له زيارتان إلى لبنان التقى خلالهما مع السفير السعودي في لبنان وليد البخاري معظم الفرقاء السياسيين والنواب والكتل النيابية، فالثوابت الحازمة التي أرادت السعودية إيصالها قد وصلت بوضوح إلى آذان الأصدقاء قبل الخصوم، بأنه يجب أن يكون لرئيس الجمهورية المقبل مواصفات تؤهله لتطبيق الطائف وبناء الدولة والجيش وبسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية، والالتزام بتطبيق القرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار، والمباشرة بعملية إصلاح سياسي شامل.
وهذا يعد دلالة كافية على أنه لم يعُد اسم الرئيس الذي ترتاح له المملكة العربية السعودية لغزاً يحتاج لفك شيفرته، ومع وضوح الموقف السعودي خلال اليومَين الماضيَين، وخاصة بالتزامن مع الزيارة الثانية للموفد السعودي، حيث توالت بيانات ومواقف الاحزاب والكتل والنوّاب الذين أعلنوا تأييدهم لانتخاب العماد جوزيف عون، فالرئيس برّي يُدرك أن التجاوب مع خيار انتخاب قائد الجيش، في ظلّ التوافق الداخلي الواسع عليه، ووضوح والموقفين العربي والدولي الداعمين لانتخابه بدون تحفّظ وبدون فتح أي باب للتنافس غير المجدي، من شأنه تأمين الحماية العربية للبنان عبر انخراط المملكة العربية السعودية بشكل واضح في مساعدة لبنان على الخروج من أزماته، كما وتوفير الغطاء الدولي للاستمرار في تنفيذ مقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني جنوباً واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من البلدات الحدودية التي بقيَ فيها.
لبنان اليوم على موعد تاريخي، للخروج من حالة الفراغ الرئاسي وحكومات تقطيع الوقت وتصريف الأعمال، كذلك الخروج من حالة العزلة الدولية وتلمّس الإشارات السعودية الواضحة التي بقي ينتظرها شعبه لعدة سنوات، وتحديداً منذ نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، فالأنظار متوجهة إلى نجاح عهد الرئيس العماد جوزيف عون في فتح نافذة أمل واسعة على إعادة الاعتبار للدولة اللبنانية، والدفء إلى العلاقات اللبنانية العربية والمملكة العربية السعودية تحديداً.
إن تجاوب أغلبية النواب مع المساعي العربية والدولية لانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً، بعد مناورات سياسية، وبهلوانيات حزبية، كادت أن تطيح لا بل وتهدر الفرصة الذهبية المتاحة، عبر الاهتمام الاستثنائي الذي أظهرته عواصم القرار العربي والدولي بالوضع اللبناني، والحرص في الحفاظ على لبنان الدولة والجمهورية والكيان، رغم معاناته للمشاكل المعقدة وللأزمات الستعصية، والتي تضاعفت تفاعلاتها من خلال تداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة.
فاختيار العماد جوزيف عون لم يتم عشوائيا، أو بالصدفة، حيث تبدو التسمية كترجمة عملية لمواصفات الرئيس العتيد التي توافقت عليها الدول الخمس: الولايات المتحدة والسعودية، وفرنسا ومصر وقطر، على امتداد اجتماعات متواصلة وبإصرار مندوبيها وسفرائها في بيروت، طوال سنتين تقريباً، والتي تضمَّنت نقاطاً أساسية لمرحلة جديدة من العمل السياسي في لبنان.
إن الرئيس العتيد بمواصفات الخماسية والتي يرغب به اللبنانيون، هي أنه غير متورط مع المنظومة السياسية في مِلفات وصفقات فساد، وبعيداً عن محاور الانقسامات العامودية التي بعثرت النسيج اللبناني، فلا يجب أن يشكل وجوده في الرئاسة تحدياً لأحد، ولا يُعتبر وصوله إلى قصر بعبدا انتصاراً لفريق وانكساراً لفريق آخر.
أخيراً، فقد انتصرت إرادة التوافق في لبنان، التي شكلت غطاءً دستورياً للعملية الانتخابية من خلال تأييد أوسع قاعدة نيابية ممكنة، وفتحت أبواب الإنقاذ على مصراعيها، في إعادة ااإعتبار للسلطة الشرعية، واستعادة الهيبة المفقودة للدولة، واسترجاع الثقة العربية والدولية بلبنان وبدوره العربي، وبقدرات اللبنانيين على النهوض من الكبوة الراهنة بأبسط الإمكانيات الممكنة.
فهل أشرقت شمس لبنان من جديد -اليوم في التاسع من كانون الثاني 2025؟