د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
وأخيرًا، وبعد أسابيع طويلة من الجدل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري (وحتى داخل الجمهوريين أنفسهم) حول أهلية بيت هيغسيث، مرشح الرئيس دونالد ترامب لوزارة الدفاع، حسم مجلس الشيوخ الأمريكي الأمر يوم أمس الجمعة، عندما حصل المذيع المشهور في شبكة فوكس نيوز على منصبه، بتصويت بفارق صوت واحد، أي 51-50، بعدما رجح نائب الرئيس جي دي فانس كفة الميزان لصالح هيغسيث بصوته الفاصل.
إشارة إلى أنها، هذه المرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة، التي يكون فيها صوت نائب الرئيس ضروريًا لتأكيد تعيين مسؤول في مجلس الوزراء.
علاوة على ذلك، اختار ترامب ستيفن فاينبرغ، وهو ملياردير سياسي ومقاول في البنتاغون مؤيد للرئيس، ليشغل منصب نائب وزير الدفاع.
من هنا، يمثل تعيين هيغسيث، الموالي لترامب والذي دعا إلى "هجوم مباشر" للتخلص مما وصفه بأنه أيديولوجية يسارية داخل البنتاغون، تحولًا سياسيًا كبيرًا في سياسة الولايات المتحدة للأمن القومي وقيادتها
أما اللافت فكان، انضمام ثلاثة جمهوريين إلى الديمقراطيين والمستقلين في مجلس الشيوخ في معارضة هيغسيث — وهم السيناتور ليزا موركوسكي (ألاسكا)، سوزان كولينز (مين)، وميتش مكونيل (كنتاكي) — بعد عملية استجواب ساخنة ومثيرة، تخللها اتهامات بإدمان الكحول، وسوء السلوك الجنسي، وفشل في الإدارة المالية، حيث أنكر هيغسيث باستمرار وبشدة ارتكاب أي مخالفات.
تشكيك جمهوري وديمقراطي بأهلية هيغسيث وبقلة خبرته؟
عند النظر إلى السيرة الذاتية لهيغسيث نجد أن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي تحوم حول تاريخه الشخصي والمهني. فهو عدا عن كونه من المحاربين القدامى، كان ضابطًا في الحرس الوطني للجيش وخدم في معقل غوانتانامو، كما جاهر بالتحدث والكتابة بشكل مكثف عن رغبته في إقالة القادة العسكريين، منتقدًا اليسار باعتباره تهديدًا للولايات المتحدة وقواتها المسلحة.
ولهذا، أثار ترشيحه موجة من المعارضة من قبل الديمقراطيين الذين أشاروا إلى قلة خبرته في الإدارة، وآرائه السابقة بأن النساء لا ينتمين إلى الوحدات القتالية، وتصريحاته بأن القانون الدولي وحقوق الإنسان يشكلان عائقًا أمام المقاتلين الأمريكيين.
أكثر من ذلك، سيشرف هيغسيث، البالغ من العمر 44 عامًا، كوزير للدفاع، على أكثر من 3 ملايين عسكري ومدني، والترسانة النووية الأمريكية الضخمة، وسيكون أيضًا وصيًا على ميزانية سنوية تزيد على 800 مليار دولار، وهي المسؤوليات التي قال ميتش ماكونيل، الزعيم الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ، إن "هيغسيث غير مؤهل لتحملها".
وإذ لفت ماكونيل في بيان له أمس إلى أن هيغسيث فشل خلال جلسة تأكيد تعيينه في توضيح أي رؤية استراتيجية لمعالجة تهديدات الأمن القومي الأكثر إلحاحًا للولايات المتحدة، بما في ذلك "الصين العدوانية المتزايدة"، رأى أن "مجرد الرغبة في أن تكون "عامل تغيير لا يكفي لملء هذه المكانة".
وعلى الرغم من كونه قائدًا غير تقليدي لإدارة البنتاغون، إلا أن تعيين هيغسيث يتوافق، من نواحٍ عديدة أخرى، مع الشخصيات التي اختارها ترامب للمناصب العليا وإدارته مثل: وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، وتولسي جابارد، وإليز ستيفانيك - والأخيرتان، مرشحتان لمنصبي مدير المخابرات الوطنية، وسفير واشنطن لدى الأمم المتحدة. لذا، وعلى خطى هؤلاء المسؤولين، حذر هيغسيث من ما يراه من أخطار وجودية تهدد الولايات المتحدة، وثقافتها ودستورها، من "اليسار الراديكالي" واقترح طرقًا لاستعادة حكومة الولايات المتحدة ومؤسساتها.
ما تجدر معرفته هنا، أن الجمهوريين في مجلس الشيوخ، المكلفين بتزكية تعيينات الرئيس ترامب في مجلس الوزراء ومساعدته في ملء المناصب العليا الأخرى، التفوا إلى حد كبير حول الأشخاص الذين رشحهم ترامب، متجاهلين الخبرة المحدودة ذات الصلة بالوظائف أو الادعاءات بالتصرفات السيئة التي تسببت في إفشال مرشحين في الإدارات السابقة.
الأسوأ، أن موافقة الجمهوريين على هيغسيث وتزكيته، ألقت الضوء على النهج الحزبي المتبع الذي اعتمده ترامب في تعيين موظفيه خلال ولايته الثانية، والقائم على الولاء أولًا وأخيرًا، وفوق أي اعتبار.
هيغسيث: الغريب الأطوار والمدمن على الكحول
في الواقع، ارتبطت معارضة المشرعين في مجلس الشيوخ لحصول هيغسيث على هذا المنصب الحساس بماضيه المخزي وفقًا لمعارضيه. لذلك، وفي الساعات الأخيرة التي سبقت التصويت، ناشد الديمقراطيون نظراءهم الجمهوريين، المبادرة إلى رفض هيغسيث، الذي وصفه زملاؤه السابقون وأقاربه ومعارفه — استنادًا إلى رسائل خاصة، ووثائق المحكمة، والمقابلات الإعلامية — بأنه "مسيء للنساء"، شخص غريب الأطوار ومتقلب، يعاني من مشكلة تعاطي الكحول، وينخرط في سلوك "عدائي ومهين"، والأهم أنه متهم باغتصاب امرأة في مؤتمر سياسي عام 2017.
الطامة الكبرى، إن معظم المشرعين الجمهوريين تجاهلوا ذلك، معتبرين الادعاءات مجرد شائعات سياسية، حتى بعد أن قدمت شقيقة زوجة هيغسيث السابقة يوم الإثنين الماضي، إفادة قانونية إلى لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، فصّلت خلالها عدة حالات قالت فيها إن: هيغسيث كان مسيئًا لفظيًا، وسكيرًا، ومهددًا، وجنسيًا.
بالمقابل، رفض هيغسيث معظم هذه الادعاءات ضده، معتبرًا أنها "تشويه سمعة" من مصادر مجهولة. أكثر من ذلك، قدم وزير الدفاع المعين، ردودًا مكتوبة على الأسئلة التي وجهت له من قبل بعض المشرعين حول هذه الإفادة، نافيا مزاعم شقيقة زوجته السابقة باعتبارها "خيالية" أو ناتجة عن "عداوة حزبية وشخصية".
الأكثر إثارة أنه اعترف بشكل غير مباشر بإدمانه الكحول، فقال ردًا على هذا الاتهام: "لقد كنت صريحًا جدًا بشأن كيفية استخدامي للكحول في الماضي للتعامل مع الشياطين التي مررت بها خلال خدمتي في العراق وأفغانستان، كما فعل العديد من زملائي المحاربين القدماء. ومع ذلك، فهذا شيء قد تخطيته". المضحك أنه "تعهد بعدم شرب الكحول إذا تم تأكيده للوظيفة".
كما أقرّ هيغسيث هذا الأسبوع، في ردود مكتوبة على السيناتور إليزابيث وارن (ديمقراطية من ماساتشوستس)، أنه دفع تسوية قدرها 50,000 دولار للمرأة التي اتهمته بالاغتصاب. إشارة إلى أنه لم تظهر لا الضحية، التي لم يتم الكشف عن هويتها علنًا، ولا زوجتا هيغسيث السابقتان — واحدة منهن على الأقل وافقت على بند عدم التشهير في طلاقها من هيغسيث — رغبة في التحدث مع السيناتورات قبل التصويت.
في المحصلة:
حسنًا، وبعد أن نال هيغسيث، الشخصية الإعلامية المشهورة في شبكة "فوكس نيوز"، وتعهد بتنفيذ أجندة طموحة ومثيرة للجدل لصالح ترامب، فإن ما نأمله فقط هو أن يفي بوعوده ويلتزم بترك الشراب (اي الكحول) على الأقل أثناء ممارسة وظيفته، خصوصًا وأنه يترأس أكبر ترسانة عسكرية فتاكة في العالم، الأمر الذي قد لا يحتمل ترف غيابه عن الوعي حتى للحظة واحدة.