نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
غداة ضرب مبنى الأمباير ستيت في نيويورك (11 أيلول 2001 ) , رأى بول وولفوويتز أن إسرائيل هي الحقيقة الوحيدة في الشرق الأوسط , كونها الدولة التي أوصى الله بقيامها . الدول الأخرى التي أنتجتها الصدف , أو التقاطعات , الجيوستراتيجية إما هي مضارب للقبائل أو معسكرات لقطّاع الطرق الذين لم يتوقفوا عن محاولة كسر الزمن .
لا وجود للعرب , وللفلسطينيين بوجه خاص , في الأجندة الأميركية . حل الدولتين , كشعار مستهلك , لم يتلفظ به يوماً دونالد ترامب , بل إنه يرى أن "ميثاق إبراهيم" هو الطريقة المثلى لتذويب الحالة الفلسطيينية داخل الحالة الشرق أوسطية . في أحسن الأحوال توطين اللاجئين منهم في أرض اللجوء , وايجاد أماكن أخرى للبقية , كي يتحقق النص التوراتي بظهور الدولة اليهودية الخالية من الأغيار (الغوييم) .
بطبيعة الحال , لم يتنبه إلى قول الفرنسي الكسي دو توكفيل الذي وضع , عام 1835 , كتاب "الديمقراطية في أميركا" , ولاحظ فيه أن التفاعل الديناميكي بين الأجناس , والثقافات , السبب في الصعود الأميركي . ترك لعالم السياسة الانكليزي هارولد لاسكي الكلام عن دولة البعد الواحد , والساق الواحدة , التي لا بد أن تقع .
لا بد أن يكون الرئيس الأميركي قد شاهد الفلسطينيين وهم يقاتلون حتى من داخل قبورهم في غزة . على مدى أكثر من عام لم تكن تهبط عليهم سوى القنابل التي تقتل الآباء والأمهات والأطفال . في المقابل كانت الطائرات الأميركية تهبط , يومياً , في القواعد الجوية الإسرائيلية , لتفريغ كل اللوازم الخاصة بإبادة الفلسطينيين , لنرى الصحافي البارز بوب وودورد ينصح الرئيس الأميركي "لا تضرب رأسك بالصخرة" . الصخرة الفلسطينية التي لا تستطيع قوة في الأرض اقتلاعها من الأرض .
هوذا الشرق الأوسط الذي رأى المستشرق الأميركي رونالد بودلي فيه المكان الذي تحتضر فيه الأمبراطوريات الكبرى . لا شك أن الأمبراطورية الأميركية تختلف عن سائر الأمبراطوريات بفرضها أسلوب الحياة على مجتمعات العالم , من زجاجة الكوكا كولا وطبق الهوت دوغ إلى سروال الجينز وحذاء الكاوبوي , ومن "الأميركيات الفارهات" , أي السيارات الفاخرة , إلى طائرات البوينغ والمركبات الفضائية , قبل أن تقلب الشبكة العنكبوتية (الانترنت) مسار البشرية رأساً على عقب .
هل يبرر ذلك التعاطي مع العالم بـ"مطرقة الشيطان" , كما تقول صحيفة "ناشيونال بوست" الكندية . الضربات في أميركا الشمالية وفي أميركا الوسطى , وحتى القطب المتجمد الشمالي , والضربات في أوروبا وفي الشرق الأوسط .
تصوروا أن قرار السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة لا تكفي دونالد ترامب , بل هو يطالب بتريليون دولار . رجل لا يرى فينا سوى الكائنات ما دون البشرية , والتي تتقيأ الذهب . ما ينشر في الصحف الفرنسية والألمانية يشي بأن القارة العجوز التي تتخوف من الاختناق الاقتصادي على وشك الثورة ضد أميركا . لا صديق لدونالد ترامب سوى دونالد ترامب , وسوى ... بنيامين نتنياهو !
قبل وصول رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى واشنطن حذّر الباحث الأميركي مايكل روبينز (الفورين آفيرز) من "أن يغسل هذا المجنون دماغ دونالد ترامب" , ملاحظاً أن ترامب يبعثر القوة الأميركية على كل الجبهات بدل التركيز على الصين , و "حتى لا تبدو الصورة هكذا ... الراقصة والتنين" .
لاحظتم طرافة المقارنة . ها إن الباحثين الأميركيين يحذرون من تفوق الصين على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي , مع ما لذلك من تداعيات كارثية على مستقبل الولايات المتحدة , ودورها في قيادة الكرة الأرضية .
دعوة إلى تجميع الحلفاء حول أميركا في "ساعة التنين" لا تكديس الأعداء على باب البيت الأبيض . ترامب أشعل الحدود الشرقية مع كندا , والحدود الغربية مع المكسيك , وصولاً إلى الباب الخلفي في الكاريبي , لتنطلق الصيحات من داخل الجامعات "لا تقتل أميركا" .
كل الأمبراطوريات , وعبر القرون , كانت تتهاوى بسبب كثرة الأعداء . تصوروا أن يتدخل البيت الأبيض حتى في تشكيل الحكومة في لبنان . هكذا قالت رويترز . أمبراطورية , وتكاد حدودها تمتد إلى العالم الآخر , معنية بتوزيع الحقائب الوزارية في لبنان , وإن كان اللبنانيون , البارعون في الهرطقة السياسية , والهرطقة الدستورية , قد ابتدعوا تصنيف الحقائب على أساس الحقائب السيادية والحقائب اللاسيادية !!
وكان اسكندر الرياشي , "الصحافي التائه" يسخر من ذلك النوع من الساسة الذين لا فرق بين خيالهم السياسي وخيال الماعز .
لامجال للافلات من القبضة الأميركية (للوقوع في قبضة قوة أخرى) . ولكن هل من قوة أخرى في الشرق الأوسط ؟
"النيويورك تايمز" ذكرت ترامب بأن حلبة الصراع في الشرق الأقصى لا في الشرق الأدنى . لكن بنيامين نتنياهو قال في الكابيتول إن أي خطر على إسرائيل خطر على أميركا . كيف ؟
من يقول للرجل إن أميركا موجودة في المنطقة منذ نهايات القرن التاسع عشر , حين كانت تعقد الصفقات مع القراصنة .
في الخمسينات من القرن الفائت حذّر السناتور وليم فولبرايت وزير الخارجية جون فوستر دالاس آنذاك من الايغال في لعبة القراصنة . الآن , ما نراه على الأرض , من لعبة الآلهة إلى... لعبة القراصنة!!