عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
فعلها الجنوبيون في يوم تاريخي مشهود، وقلبوا الطاولة على رؤوس كل أولئك الذين كانوا يظنون أن بالإمكان تكريس الاحتلال الإسرائيلي كأمر واقع أو كستاتيكو ميداني قابل للاستمرار حتى إشعار آخر.
زحف الجنوبيون إلى بلداتهم المحتلة وفرضوا معادلتهم على الأرض بشكل عفوي وتلقائي، بمعزل عن أي حسابات وتوازنات، ما دفع السلطة السياسية وحتى المؤسسة العسكرية إلى ملاقاتهم ومجاراتهم، على وقع المبادرة التي استعادوها بعد شهرين من الانتظار الثقيل والصبر المضني.
لقد انطوى هذا الحراك الشعبي الهادر على مفاجأة صاعقة للعدو الذي وجد فجأة أن إنجازات عدوانه تتهاوى وأن بيئة المقاومة ورايات حزب الله وحركة أمل عادت لتنتشر على خط الحدود وتعيد إيقاظ الهواجس لدى مستوطني مستعمرات الشمال المسكونين بالخوف والذين لم يتجرأوا حتى الآن على الرجوع إلى مستوطناتهم، خلافا للنموذج المضاد الذي قدمه أبناء الأرض الأصليين في الجنوب، والمصممون على تحريرها حتى آخر شبر، ما أعاد بالتأكيد خلط أوراق صانع القرار في تل أبيب وراعيه الأميركي.
لقد وصلت رسالة أهالي المنطقة الحدودية بوضوح وبلاغة إلى كل من يعنيه الأمر بالبريد السريع، وفحواها أن بقاء الاحتلال الإسرائيلي مرفوض وأن الحق في مواجهته مشروع.
صحيح أن انتفاضة الأحد الاستثنائي قد لا تكفي وحدها لإجبار جيش العدو على الانسحاب الفوري، لكنها جولة أولى ومفصلية أطلقت مسار اندحاره وأسست لمرحلة مختلفة، وفق قواعد اشتباك جديدة مذيلة هذه المرة بتوقيع الناس.
والمطلوب الآن من الدولة اللبنانية أن تبني على هذا الضغط الشعبي وتستند إليه كأحد أهم الأسلحة النوعية في المعركة الدبلوماسية التي يجب تفعيلها من أجل التعجيل بإتمام الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة.
إنَّ على السلطة السياسية أن "تترسمل" بهذه الإرادة الشعبية وتتحصن بها للضغط على رعاة اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا الأميركيين والفرنسيين، بغية حضهم على إلزام العدو باحترام الاتفاق، لاسيما أن واشنطن وباريس هما ضامنتان له، وبالتالي فإن "زجاج" صدقيتهما تفسخ، والثقة في نزاهة دورهما تصدعت، نتيجة "ميوعة" سلوكهما منذ تشكيل لجنة الإشراف والمراقبة برئاسة جنرال أميركي.
وإذا كانت الدولة لا تملك القدرة العسكرية التي تُخولها التصدي لقوات الاحتلال وإجبارها على التراجع، فإن لا شيء يمكن أن يبرر لها عدم استخدام كل وسائل الضغط الأخرى، حتى أقصى الحدود، لتحرير الأرض وحماية السيادة، وهذا أضعف الإيمان.
والمفارقة، أن معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي كان البعض قد اعتبر أنها انتهت بالضربة القاضية، عادت إلى الحياة بقوة دفع ذاتية، عندما بادر الشعب إلى التقدم نحو المناطق المحتلة باللحم الحي ثم واكبه الجيش في بعض الأماكن ودخل معه إليها، فيما بقي خيار المقاومة المسلحة واردا عند الضرورة، الأمر الذي أثبت على أرض الواقع أن مدة صلاحية المعادلة الشهيرة لم تنته بعد.
وإلى جانب ذلك كله، ساهم التدفق الشعبي الجارف نحو أقصى الجنوب وتحدي الناس للدبابات الإسرائيلية وجنود الاحتلال من المسافة صفر، في تظهير أعمق وأوضح لصورة الانتصار التي حاول البعض طمسها أو إنكارها، فإذا بها تتبدى على الملأ بأبلغ معانيها وأبهى حللها، لتحسم الجدال حول النصر والهزيمة بالدليل القاطع.