عبد الله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
قبل أيام من زحف أهالي الجنوب لتحرير قراهم المحتلة من قبل العدو، كان الجو الداخلي يوحي بأن الأمور ذاهبة نحو هذا الاتجاه، وأن العدو الإسرائيلي الذي لا يبدي التزاماً بالانسحاب من قرى الجنوب الذي يحتلها مع انقضاء مهلة الـ60 يوماً، سيواجه مقاومة من نوع مختلف، تقوم هذه المرة على القواعد الشعبية لا العسكرية.
وطوال تلك الأيام، انحصر النشاط السياسي لاسيما نشاط القصر الجمهوري في محاولة لدفع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بصفتهما راعيتان لاتفاق وقف الأعمال العدائية، في إقناع إسرائيل الالتزام بالمهلة، وكان ثمة أجواء أوضحت أن الأمور في لبنان قاربت على الانفجار، وأن الخطط الحالية تقوم على محاولة اللبنانيين تحرير أراضيهم بأنفسهم وبجهودهم. ولم تفلح كل الضغوطات في ثني العدو عن خياره البقاء محتلة، خاصة مع وصول أجواء من واشنطن، تفيد بأن إسرائيل تحتاج لوقت إضافي لإنجاز ما تسميها "خطط التنظيف" داخل القرى، وإن الإدارة الأميركية الجديدة تفهمت ما تسمى "احتياجات تل أبيب الأمنية" وبادرت لإصدار موافقة خطية على ذلك.
قبل هذه الفترة، كانت الأجواء اللبنانية وتلك المستقاة من ما بات يعرف بـ"لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية" بأن إسرائيل باقية داخل القرى الأمامية، وكان ملاحظًا إلى حدود بعيدة أن اللجنة، وبوازاتها اليونيفيل، يتصرفان برعونة شديدة إزاء المتطلبات الأمنية اللبنانية، ويتجاهلون إمكانية أن يتولى الناس تحرير أراضيهم، لا بل كان التوجه لديهم في دفع القوى الأمنية اللبنانية لاسيما الجيش، لمواجهة الناس، عبر منعهم من دخول القرى، التزاماً بما قيل أنه ضمان تنفيذ قرار وقف الأعمال العدائية وعدم تحميل الجانب اللبناني مسؤولية ما جرى. وطوال يوم أمس، كان من يتواصل من دبلوماسيين أجانب مع نظرائهم في الدولة اللبنانية، يحملون مسؤولية ما يسمى "خرق الاتفاق" إلى الجانب اللبناني، متناسين أن العدو قام بخرق الاتفاق أكثر من 600 مرة وفق بيانات الأمم المتحدة المدونة منذ 27 تشرين الثاني الماضي، وأكثر من 2000 خرق وفق مدونات الدولة اللبنانية.
السيئ في الموضوع، أن المساعي كانت تميل إلى دفع الجيش اللبناني لصد دخول الأهالي بالقوة، وقد اقترح عليه أن تتم مؤازرته من جانب قوات اليونيفيل، غير أن الجيش رفض أن يتم التعامل مع المواطنين من خارجه، وفرض نفسه معنيناً في هذا الشأن. ومنذ الصباح، تعامل الجيش اللبناني بتفهم ورقي، ولم يبادر إلى قطع الطرقات بالقوة، على الرغم من الأجواء السلبية التي تعمد البعض بثها قبل ليلة من "اليوم الكبير" حيث ادعى بأن الناس سوف يدخلون في مواجهة مع الجيش، مراهنين على استعادة مشهدية 13 أيلول تحت جسر المطار وشبيهاتها من أحداث شهدتها الضاحية الجنوبية، أي عملياً نقل المواجهة بين الجيش وناسه بدل أن تكون مع الجيش الإسرائيلي.
الجيش عملياً، نجح في تجاوز ما كان يحاك، وتعامل بهدوء وحكمة مع الناس. ونتيجة إصرارهم قام بفتح الطرقات في أكثر من موقع، لا بل إن الأوامر التي وجهت له، كانت في مواكبة دخول الناس إلى القرى، وقد أرسل الجيش تعزيزات إضافية مكنته من تنفيذ انتشار عسكري داخل القرى كان محرومًا منه نتيجة التعنت الإسرائيلي، وهو سياق ربما أزعج العدو الإسرائيلي الذي بادر لإطلاق النار صوب جنود الجيش ومخابراته في أكثر من مناسبة، وهو ما كانت نتيجته ارتقاء معاون في مخابرات الجيش نتجية إصابة مباشرة وإصابة جندي آخر.
إذاً تمكن الجيش من تجاوز الفتنة التي كان يخطط لها العدو وشركاؤه، وفي طريقه إلى اعتماد نفس الأداء في الأيام المقبلة، أي أنه سيواكب الناس في اندفاعهم تجاه القرى، على أن يبقى حذراً في التعامل مع مناطق يصنفها حمراء، أي بناء على معطيات متوفرة لديه باحتمال تعرض الناس لإصابات بالغة، سواء بسبب وجود إسرائيلي قوي داخل بعض المناطق، أو بسبب انتشار الذخائر.