ترجمة - الأفضل نيوز
في الأيام التي تلت وقف إطلاق النار في غزة في 19 كانون الثاني/يناير، وجد العديد من الإسرائيليين أنفسهم في عاصفة عاطفية تكاد تكون قوية مثل صدمة هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. والفرق بالطبع هو أنّ العاصفة هذه المرة لا يدفعها الحزن والرعب الذي لا يوصف، بل الفرح، وللمرة الأولى منذ أكثر من خمسة عشر شهراً، الأمل. بالفعل، تعرّض الاتفاق الهشّ لضغوط كبيرة، وقد ينهار في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، توقّف القتال في غزة ولبنان في الوقت الحالي، وبدأ الأسرى في العودة إلى ديارهم. وكما يتبيّن من تدفّق ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الإسرائيلية، استقبلت الغالبية العظمى من الإسرائيليين الاتفاق باعتباره سبباً للاحتفال، حتى أولئك الذين عارضوه لأسباب استراتيجية أو أيديولوجية.
ولكن الاستجابة الساحقة للاتفاق تتعلّق بما يعنيه الاتفاق بالنسبة لهوية "إسرائيل" المحاصرة. والقضية الأساسية بالنسبة للإسرائيليين، والتي قد لا يدركها المراقبون الخارجيون بشكل كامل، هي أنه منذ تأسيس "إسرائيل" في عام 1948، بعد ثلاث سنوات من نهاية الهولوكوست، حدّدت البلاد نفسها من خلال مكانتها كملاذ آمن لليهود. لأكثر من 70 عاماً، وعلى الرغم من الحروب الكبرى والتحديات المتكررة، كانت قادرة على الحفاظ على هذا المثل الأساسي. ولكن مع هجمات السابع من أكتوبر، تمزّق هذا الوضع. لقد تحطّم الاعتقاد بأنّ "الجيش" والأجهزة الأمنية الأخرى ستصل دائماً في الوقت المناسب لإنقاذ اليهود أثناء المحنة. وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين، استمرّ هذا الفشل طوال أكثر من 15 شهراً من الحرب، حيث أثبتت الحكومة عجزها عن إنقاذ أو إعادة عدد كبير من الأسرى البالغ عددهم 251، إسرائيليين وأجانب - الذين تمّ أسرهم في غزة.
ولكنّ الصفقة تأتي بثمن باهظ، ومن غير الواضح إلى متى قد تصمد. ففي مقابل الإفراج عن أول 33 أسيراً، وافقت "إسرائيل" على إطلاق سراح نحو 1700 سجين فلسطيني، بمن في ذلك أكثر من 200 يقضون أحكاماً بالسجن المؤبّد بتهمة قتل إسرائيليين. وهذه ليست سوى الجولة الأولى من التنازلات. وبمجرّد اكتمال "المرحلة الأولى"، سيظل 64 أسيراً في غزة، ويُعتقد أنّ أقلّ من 30 منهم على قيد الحياة. وسوف يتطلّب إطلاق سراحهم إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين الآخرين، بمن في ذلك العديد ممن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبّد. وسوف يشمل المفرج عنهم أيضاً سجناء ينظر إليهم الإسرائيليون باعتبارهم "إرهابيين مشاهير"، وهم شخصيات رفيعة المستوى في الجماعات الفلسطينية المسلحة المسؤولة عن تدبير التفجيرات الانتحارية التي أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من هذا القرن. وهؤلاء سجناء لم توافق أيّ حكومة إسرائيلية من قبل على إطلاق سراحهم.
بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنّ كلّ هذا يمثّل معضلة ضخمة. فهو يحتاج إلى شركائه في الائتلاف اليميني المتطرّف للبقاء في السلطة. لكنهم يعارضون بشدة وقف إطلاق النار، وعلى النقيض من غالبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي، يطالبون باستئناف الحرب أو الاستقالة. وإذا أجريت انتخابات جديدة اليوم، فمن المحتمل أن يخسر نتنياهو. وفي الوقت نفسه، يتعيّن على رئيس الوزراء الآن أن يتعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يفرض ضغوطاً هائلة لإنجاز الأمور على طريقته ويقول إنه لن يتسامح مع استمرار الحرب في عهده. ومن المتوقّع أن يلتقي نتنياهو بترامب في البيت الأبيض في أوائل شباط/فبراير.
إنّ ما سيحدث بعد ذلك يعتمد في المقام الأول على الرئيس الأميركي. فالإدارة المقبلة لديها خطط كبيرة. ولعدة أشهر، كان مساعدو ترامب ومستشاروه يتحدّثون عن الترتيبات الإقليمية التي يريد ترامب تأسيسها. ويبدو أنّ هدفه الرئيسي يكمن في صفقات التكنولوجيا والدفاع بمليارات الدولارات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وستكون الخطوة المرافقة هي اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي كبير، مماثل للاتفاق الذي حاولت إدارة بايدن دفعه في خريف عام 2023. (وصف قادة حماس لاحقاً إحباط تلك الصفقة بأنه أحد دوافعهم لشنّ هجمات 7 أكتوبر). ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، سيحتاج ترامب إلى استمرار وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب نظيره في لبنان، لأطول فترة ممكنة، سواء كان كلا الجانبين مهتمين حقاً بالسلام أم لا.
لقد زعم إران هالبرين، الخبير في علم النفس السياسي في الجامعة العبرية في القدس، بشكل مقنع أنّ السبب الحقيقي وراء معارضة اليمين المتطرف في "إسرائيل" لإنهاء الحرب في غزة ليس سياسياً أو أيديولوجياً. وكتب: "إن ما يدفع حقاً إلى محاولة تخريب الصفقة هو القلق من أنها ستحطّم الرابط الأساسي بين استخدام القوة العسكرية غير المحدودة والقدرة على توفير الأمن لمواطني إسرائيل". بعبارة أخرى، فإنّ نهاية الحرب ستجبر الإسرائيليين في نهاية المطاف على الاعتراف بأنّ حكومة نتنياهو اليمينية فشلت تماماً في منع السابع من أكتوبر أو هزيمة المجموعة التي ارتكبتها، على الرغم من 15 شهراً من الحرب الوحشية.
خلال السنوات الخمس الماضية، تحمّل الإسرائيليون جائحة كوفيد-19، وخمس دورات انتخابية، ومحاولة لتمرير إصلاحات قضائية عدوانية للغاية، وحرباً بدأت بهجوم مروّع وانتشرت إلى عدة ساحات في وقت واحد. ووفقاً لجميع المؤشرات، فإنّ العام المقبل لن يكون أكثر هدوءاً. ولكن خلال هذا الوقت، من المرجّح أن يتضح ليس فقط مصير غزة، بل وأيضاً الدور الذي ستؤدّيه "إسرائيل" في الشرق الأوسط الجديد الذي يتصوّره الرئيس الأميركي القادم، حتى برغم صعوبة فهم هذه الرؤية نفسها، مثل العديد من أفكار ترامب.