ترجمة - الأفضل نيوز
أطلق دونالد ترامب الرصاصات الأولى في ما يهدّد بأن يتحوّل إلى حرب تجارية مدمّرة. وسوف تتسبّب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على المكسيك وكندا والصين في إحداث صدمة فورية للاقتصاد الأميركي الشمالي والعالمي. وهي تعرّض للخطر عقوداً من التقدّم نحو التكامل الاقتصادي الذي عزّز الرخاء الأميركي والعالمي. إنّ هذه التدابير غير مبرّرة على الإطلاق من حيث التجارة، بل إنها تُستخدم كأداة قسرية لتعزيز الأجندة السياسية المحلية لترامب وانتزاع التنازلات من جيران أميركا والتي قد تكون خارج نطاق قدرتهم على تقديمها. ومن العبث أيضاً أنّ الولايات المتحدة سوف تكون واحدة من الضحايا الرئيسيين، في الضرر الناتج عن ذلك على اقتصادها ومكانتها في العالم.
وقد روّج الرئيس الأميركي العائد لتفسيرات وهمية مختلفة لحبّه للرسوم الجمركية. ويقول إنّها سوف تعمل على استعادة القاعدة الصناعية الأميركية، واستبدال ضريبة الدخل، وسداد الديون الأميركية. والدافع الظاهري وراء الرسوم الجمركية التي فرضها هذا الأسبوع هو الحدّ من "التهديد الرئيسي المتمثّل في المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات القاتلة" بما في ذلك الفنتانيل.
والذريعة القانونية لتحرّك ترامب مشكوك فيها أيضاً، فقد استخدم قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، وهو سلطة تنفيذية تمكّنه من الاستجابة للتهديدات الاقتصادية أو الأمنية غير العادية. ولم يستخدم هذا القانون من قبل لفرض التعريفات الجمركية. ويتعيّن على المحاكم والكونغرس منعها، إن لم يفعلوا ذلك، فإنّ الضرر سيكون شديداً .
إنّ الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وحدها سوف تغذّي بسرعة التضخّم الأميركي المرتفع وتحدّ من النمو. وسوف تعمل الانتقامات المبرّرة على تضخيم الآثار. ويبدو أنّ ترامب يراهن على أنّ إجراءاته سوف تضرب كندا والمكسيك بشكل أقوى، نظراً لاعتمادهما الأكبر على التجارة مقارنة بأميركا، وبالتالي فإنها سوف تتراجع بسرعة. ولكنّ الرئيس الأميركي لا يتحدّى فقط الأساس التجاري لازدهارهما، بل إنه يستفزّ كبرياءهما كدولتين ذاتَي سيادة.
إنّ تفكّك التجارة الحرّة وسلاسل التوريد في أميركا الشمالية التي بُنيت على مدى عقود من الزمان سوف يوجّه ضربة قاسية لكلّ من المستهلكين الأميركيين والشركات الأميركية، وخاصة تكرير النفط، وإنتاج السيارات، والمستحضرات الصيدلانية والزراعة.
أمّا تصرّفات ترامب تجاه الصين فهي أقلّ دراماتيكية ولكنها تبدو وكأنها دفعة أولى متواضعة لخطط أكثر شمولاً في المستقبل. وتمثّل الدول الثلاث مجتمعةً ما يقرب من نصف واردات الولايات المتحدة. ومن المؤكّد أنّ الرسوم الجمركية الإضافية المقدّرة بنحو 100 مليار دولار سوف تتضاءل مقارنة بالتكلفة الاقتصادية.
إنّ الضرر الذي لحق بالقوة الدبلوماسية الأميركية ليس أقلّ عمقاً. فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، وضعت كلّ من كندا والمكسيك عقوداً من الشكّ جانباً لتراهن استراتيجياً على التجارة الحرّة مع الولايات المتحدة، وبلغت ذروتها في اتفاقية نافتا في عام 1994. وكانت الفوائد الاقتصادية، وخاصة لكندا، وفيرة. وقد أرغم ترامب كلا البلدين في ولايته الأولى على إعادة التفاوض على تلك الاتفاقية. وحقيقة ، إنّ الرئيس يدوس الآن على الاتفاق المنقّح، اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ترسل رسالة مفادها أنّ كلمة أميركا لا يمكن الوثوق بها. ولا ينبغي لكندا والمكسيك أن تتركا تحرّكات ترامب من دون إجابة، ولكن يجب أن تكون استجابتهما إبداعية ومنسّقة وانتقائية.
فقد اقترحت كريستيا فريلاند، وزيرة المالية الكندية السابقة التي ترشّحت لخلافة جاستن ترودو كرئيس للوزراء، تعريفات جمركية من شأنها أن تؤثّر على الدوائر الانتخابية الرئيسية التي تدعم الرئيس الأميركي، مثل سيارات "تيسلا" التي يملكها إيلون ماسك.
ولكن الحرب التجارية تشكّل عَرضاً لمشكلة أكبر في أميركا تحت حكم ترامب. فالرئيس وحده هو الذي يقرّر القضايا المهمة، ويبالغ في التشخيص، ويختار الدواء. وكما كانت الحال مع محاولاته فرض أولوياته الخاصة من خلال طرد العمال الفيدراليين وتجميد المنح، فإنّ الأدوات التي يستخدمها غالباً ما تكون غير دقيقة. وتهدّد حربه التجارية بالكارثة، ولكن الفوضى لن تنتهي عند هذا الحدّ.