ربى اليوسف - خاص الأفضل نيوز
ترتدي خفّها بسرعة، تربط شعرها المجدول بحكايات أجدادها في المكسيك، تقف هنا وهناك مثل شعب "كياكابو" .. وتركض، ربما تعانق فلسطين من وراء السور الحدودي.. ثم ترتفع فوق السور بكتاب أرشيفيا" الذي يؤرخ قصة الشعب الفلسطيني .. ترمق الحقول بنظرة أمل .. وهي أمل، التي خرجت من التاريخ مثل حكاية شعبية تحمل ريشة قبائل "الكومانتشي" في فروة رأسها، ذلك أن الأدب يرفع من يتواضع له، ويدني من يتكبر عليه.
خرجت من البيت مثل "تنينة غاضبة" تلوح للأطفال ويلوحون لها، تركض لهم ويركضون إليها.. تقول لهم أنا أمل ويقولون لها: من أمل؟
1. أمل ناصر، كيف هي، وكيف تعرّف نفسها، تخيّلي أنك على قمة جبل، واصرخي بالتعريف، ونحن حيث نحن، سنسمع الصدى!
أمل إنسان يحاول أن يظلّ متمسّكًا بالحلم، واليقظة، والسؤال.
2. أمل، أنت نصف مكسيكية، نصف لبنانية، كيف ساهم ذلك في بلورة كتاباتك؟ وأي أرض تشبهين أكثر؟ وهل ثمّة أرض/ فضاء ثالث تنتمين إليه؟!
الشعب المكسيكي، بيئته، تقاليده، مجموعة تشكّل رافدًا لا يمكن إنكار أثره. كنت طفلة صغيرة عندما أتى بنا والدي إلى لبنان، وقد ولدت هناك، إلا أن أمي استطاعت إلى حدٍّ كبيرٍ أن تنقل لنا إرثاً مكسيكيّا ترك أثره في لغتي، شخصيتي، رؤيتي، نظرتي المتعددة الزوايا لكل تفصيل، والأهم من ذلك الإحساس والموسيقى في اللغة، والانحياز نحو السلاسة والفلسفة في آن. الأرض المكسيكية أرض خصبة، حارة، غنية، متنوعة، واللبنانية شبيهة بهذا التنوع، ولكن على مساحة أقل بكير. سؤال غريب، بي من تراب الأرضين الكثير.
3. أسباب كثيرة قد تدفع الإنسان للكتابة... بالنسبة لأمل ناصر، ما هو السبب؟
ما السبب الذي لا يدفعنا للكتابة أصلاً! بالأصل هي الفطرة، وكل الجمال الذي أحاطني منذ طفولتي، الحكايات من حولي سواء كانت أشخاصاً أو سرديات محكية، إضافة إلى مشاهد الأسى التي كانت أمي سبباً في أن ترينا إياها لأجل أن نشعر مع الآخر، وشخصيتي التي كانت تلاحظ التفاصيل، وما وراء المشهد.. الإحساس بكل شيء، نهمي للمطالعة، معاناة والدتي في بيئة كانت تميل نحو تحطيم الجمال واللطف والنبل والغريب عنها. وطبعاً المدرسة كان لها دوراً، وحظي بمعلمات اللغة العربية، اللاتي كنّ سبباً جميلاً في استمراري لنحت لغتي. ولا أنكر أن كل غصة تراكمت في حنجرتي كانت دافعاً للكتابة.
4.هل صادف وأن قلتِ يوماً: ما حاجتي للكتابة، سأتوقف عنها؟
كثير من المرات كانت الرغبة بالكتابة تهجرني وأهجرها، ليس عن قرار مسبق، أو متعمداً.. ذلك أن الكتابة هي حاجة، ولكن بسبب شعوري بفقدان المعنى لكل شيء أحياناً.
5. ماذا عن أولئك الذين يقولون عن الشعر والأدب بشكل عام "ما بطعمي خبز"؟ وهل فعلاً "صار لازم يطعمي خبر"؟
ربط الشعر والأدب برغيف الخبز، هو نوع من الرؤية السطحية، أو بالأحرى حكم مستعجل وبسيط.. الكلمة معجزة الأنبياء، والمصلحين والثائرين و"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".. نعم قد يعيش بالخبز لكنه لا يحيا.
الحياة التي يصفها كافكا على سبيل المثال، هي عبر كتاب يكون أثره أثر الفأس التي نحطم بها البحر المتجمد في داخلنا، ذلك أن الإنسان خُلق للجريان. الركون لفكرة تحصيل رغيف الخبز حصرا في هذه الدنيا هي ركون لفكرة الموت السريري، أو بتعبير أكثر حداثة الأموات الأحياء (زومبي).
ثمة نوع من اليقظة لا تتحصل للإنسان من غير إرث الأدب، وثمة نوع من أنواع إعادة خلق الذات، والتغيير، والاستدلال والتنوير لا تحدث من غير الشعر والأدب والفلسفة،
للأدب تلك القدرة الساحرة لتحويل حياة الإنسان إلى حياة باحثة عن المعنى، أوليس المعنى سر من أسرار وجودنا؟
الشق الثاني من السؤال، هل فعلاً بطعمي خبز
أنا أؤمن بأن كل حرفة يتقنها الإنسان بجودة وصدق، حتماً يجعلها الله لنا مصدراً من مصادر الرزق. الفكرة تكمن في القناعة. في عالمنا العربي لم يحصل على ما أظن أن كاتباً ما قد صار ثرياً لممارسته حرفة الكتابة.
6. من اختار الآخر أنتِ أم أدب الطفل؟
أظن أن أدب الطفل هو الذي اختارني. ثمة خيوط لامرئية تبتدي منذ طفولتنا ولا نلتفت لها، تتشابك إلى أن توصلنا لخيارات وطريق لم نكن نتوقع أن نسلكه يوما. هذا ما أؤمن به
7. لم لا يحظى أدب الطفل باهتمام واسع في بلداننا؟ وهل يفتقر إلى المبدعين؟
منذ حوالي 12 عاماً بدأت موجة من النهوض في أدب الطفل في العالم العربي، وبدأ يحوز على انتباه الجمهور، وبعض المؤسسات، والكُتّاب والروائيين والشعراء الذين كانوا يعتبرون أدب الطفل أدباً بسيطاً، وهامشياً.
هل هذا الميدان يفتقر إلى المبدعين، حتما ويفتقر إلى الإعداد والتأهيل والخبرات. والغرب متفوق علينا في هذا المجال ومتقدم عنا بمسافات شاسعة ودرجات لا تقارن. ولكن لكي لا أظلم تجربتنا، فإن شيئاً جميلاً يتشكل في الأفق، ووعياً متراكماً لا يستهان به.
8. كتبك تتميز برسوم مبدعة مثل كتاب "أمل"، برأيك هل من الممكن أن تتغلب هذه الرسوم على نصك، أو ينسكبان بتناغم معاً؟
طبعاً في عملية إنتاج كتبي الشخصية في رمانة وحكاية قمر أحرص على توخي اختيار الرسام ودراسة أسلوبه وإحساسه، لأسلّمه بعد ذلك النص الذي أشعر أنه سيكون ذا أثر عليه. وهذا عادة ينجح. لست من الذين يفرضون نصّاً على رسام، وعادة أميل إلى تخييره، وآخذ برأيه، وملاحظاته، وأحياناً تكون تعديلاتي على النص بناءً على ملاحظات الرسام، كل هذا يساهم في إنتاج كتاب برسومات مميزة.
في كتاب أمل الذي حاز على جائزة عربية، ووصل إلى نهائيات قائمة عالمية في أدب الطفل، ثمة تناغم كبير ما بين النص والرسومات، ولكن لا أنكر أن الرسامة "هيا حلاو" قد تفوقت في أن تشكل نصاً بصرياً موازياً للنص المكتوب، تفوّقت في تحدّي تقبّل الجمهور لنمط سوريالي غير مألوف في كتب الأطفال، وهذه خطوة جريئة وعظيمة.
9. هل توحي لك الرسوم، ككاتبة؟ وكيف يؤثر ذلك على نجاح النص؟
عادةً الحياة بتفاصيلها ومفارقاتها ومآسيها وجمالياتها، والإنسان بحكاياه المخبوءة.. كل ذلك يوحي لي.. لا أعتمد على الرسم كمصدر إلهام.. أشعر أن ذلك أمرٌ تقليدي يمارسه عدد من المؤلفين ليقعوا في محظور تشابه الأفكار.
نحن عادة نكتب النص ثم يتم رسمه. نجاح الكتاب يعتمد على النص، الرسم، الإخراج الفني، والطباعة. وطبعاً كل ذلك مكلف معنوياً ومادياً.
10. متى يترك الطفل اللعب من أجل القراءة؟ وهل يمكن أن توازي قراءة الكتب متعة اللعب عند الأطفال؟
يترك الطفل اللعب، ويلجأ للكتاب، في حالات متعددة ومختلفة. فلنتفق أن طبيعة الإنسان بشكل عام، والطفل بشكل خاص، ميالة إلى التنوع، وحب الاستكشاف، والتعلم عبر أدوات مختلفة. اللعب عند الطفل كما الكتاب، أداة للاستكشاف، والمعرفة، والتسلية، والمرح، واللذة. ولنتفق أن الطفل الذي يحظى ببيئة تعرف قيمة الكتاب، وتؤسسه على جمالية وفرحة اقتناء كتاب، لن يكون كذلك الطفل الذي يعيش في بيئة لا يرى فيه الكتاب، أو ربما يتعثر به صدفة في صندوق الخردة.
في النهاية الطفل سيمل اللعب، ويلجأ ولو قبل النوم إلى حضن كتاب، أو إلى إلحاح لكي تُحكى له قصة. ولكن نعم قد يترك الطفل اللعب من أجل كتاب، وهذا أمر عاينته ليس في أطفالي فقط إنما في أطفال آخرين. وتتفاوت جاذبية الكتب بين طفل وآخر، ثمة أطفال يجذبهم عنوان ما، آخرون يلفتهم الرسم... لذلك دائماً أكرر وأعيد فكرة العمل على بناء طفل بثقافة فنية وأدبية عالية.
11. هل مِن الكتّاب (عربياً وعالمياً) مَن تعتبرينهم قدوة لك في عالم الطفل؟؟ أو أنموذجاً يُستفاد من تجربته؟
حقيقة ليس لدي قدوة في الكتابة، ولا حتى كُتّاب مفضّلين.
يجذبني التنّوع.
إضافة إلى أن الطبيعة البشرية تحتم أن لا يكون هناك أحد كامل، بمعنى أن تكون جميع أعماله تستحق الإعجاب.
هناك كتّاب فشلوا في الكتابة، ولكن يصدف أن يكون لديهم مؤلف يستحق الاقتناء. ولكن حتى ما زعلك، تستوقفني تجربة محيي الدين اللباد، وتنجح أغلب كتبه أن تدهشني دائماً.
12. من أين أتت فكرة "رمانة"، ما هي طموحاتها؟ وما الذي يميزها عن الدور "الأخرى" في السوق؟
تأسيس دار نشر كان أحد أحلامي التي كنت أظنها بعيدة المدى. وأحد أسباب تأخير تأسيسها كان قيد الوظيفة. إلى أن يسّر الله الأسباب، بطريقته الخاصة والعجيبة.
لماذا رمانة، مرة كتبت شرحًا مفصلًا عن الاسم.
رمانة لأنها رمز مشترك في جميع الحضارات والديانات، وهي مورد إجماع على عذوبتها، وجمال صنعها، ورمزيتها، ودلالاتها. هي رمز خصوبة، وإبداع، وبركة، وجمال. ولونها يسر الناظرين، وهي هدايا العشاق. ولا يفرط لك الرمان غير محب.
طموحات رمانة كثيرة، وأفكارها متنوعة، وقدراتها على التطوير بإذن الله بدأت بجرأة أنماط كتبها المختلفة، ومواضيعها غير التقليدية. ما يميز رمانة هو اعترافها بجمالية وأهمية الدور الأخرى، التي تساهم في أن تحمل ثقل المسؤولية معنا.
ولا أنسى ولا يمكنني أن أتغاضى عن المحبة والدعم المعنوي الجميل واللطيف التي تلقته رمانة منذ اول يوم إعلان عن تأسيسها.
13.رغم بداياتها، لكنها لاقت "رمانة" محبة كبيرة من الناس، وما سر هذه المحبة؟ بنظرك أمل...
هذه نعمة ورزق ولطف إلهي. سر المحبة لرمانة هو توفيق ورزق من الله، ولطف الناس وأهل الاختصاص ونبلهم. ذلك أنه لا يفرح لفرحك سوى إنسان نبيل.
14. أحب أن تحدثيني عن علاقتك بالأرض، بالجنوب، بفلسطين، بالإنسان بشكل مختصر، كيف من الممكن أن تربطي بينهم؟
علاقتي بالأرض... ياه
أنا طفلة نشأت بين الحقول، والوديان، والأحراج، والصخور، وسنابل القمح عندما كانت تفوقني طولاً. وإحدى هواياتي كانت تسلق الأشجار، وقد لا يصدق أحد أنني، كنت أتسلق شجر السرو. بعيدًا عن الناس والعمارات بيتنا. ولازمت جدتي كثيرًا في مواسم قطاف الزيتون، وحصاد القمح. والفطور تحت الشجر.
لست متعصبة للجنوب، بل متعصبة للتراب والأرض في كل مكان. ولا أؤمن بالحدود، وتجذبني الفوارق سواء في اللهجات او التقاليد، بين المناطق... أحب تجربة العيش في مناطق مختلفة من لبنان، والتعرف بالناس وحكاياتهم، وقراءة الوجوه والمهن.
أما فلسطين، أخاف الكلام عنها كي لا أقع في الكليشيه.. لكنها غصة الحلم، والدمعة المتجمدة في حنجرتي.. لكٱن ثمة رابطة من الدم بيننا، والدم يحن دائماً وأبداً. متيقنة من تحريرها وقريباً بإذن الله.
15. في ظل الأوضاع التي نعيشها في لبنان، هل كنت لو تفضلين أنك تعيشين في بلاد أمك؟ ما اسمها "روزا"؟ صح روزا...
صراحة، لم يكن يوما لدي الرغبة في العيش في بلاد أمي. أحب زيارتها، لكن ليس السكن فيها. لست من هواة الترف، ولا أجد في الترف معنى حقيقيا للحياة، ولا أفتش عنه، رغم أني ولدت لعائلة ثرية، لكن يختلف البحث عن الترف عن الثراء.
وضع لبنان سيء، لكن في مكان ما لا يمكننا إنكار أن كل تلك التراكمات والاوضاع التي عايشناها، ساهمت وتساهم في تشكيل وعينا، وفهمنا، وقدرتنا على رؤية العالم بمنظور مختلف.
16. ما هو الكتاب الذي ساهمت في إنتاجه، كتابته وترجمته وشعرت في لحظة أنه مميز مثل ابنك؟
من الصعب جداً تحديد كتاب قريب لقلبي، لأني شخص لا يحب قراءة إصداراته بعد طباعتها. وعادة ما أشيح بنظري عنها وعلى فكرة لا أحفظ عدد كتبي ولا عناوينها، عادةً ما أستعين بغوغل لأحصرها. وكن إن كان ولا بد من تحديد كتاب أظنني سأختار الكتاب الذي لم أكتبه بعد.
17.هل تجرين دراسات وأبحاث حول شخصيات قصصك قبل الشروع في كتابتها؟
بعض أنواع الكتب تتطلب أبحاثاً ومطالعات من نوع معين، بالطبع. وبعضها هو بالأصل مبني على تجارب مسبقة، أو مستوحى من شخصيات عاينتها، وعاينت بناءها النفسي، وأنماط ردود أفعالها. هذا الشق قد لا يكون واضحاً في كتب الأطفال، لكنني تعلمت أن لا أبني كتاباً بشكل عبثي.
18. مَن مِن شخصيات قصصك تشبهك؟ وما هو شعورك قبل وبعد الكتابة؟
أظن كتاب أمل، هو الكتاب الأكثر شبهاً بي.
الشعور قبل الكتابة وبعده مزيج من المتعة والإرهاق الشديد.
19. سر خاص عنك لموقع "الأفضل نيوز"؟ سر تكشفينه لأول مرة؟
سر خاص اممممم، مع أنه عبر تجربتي لا لكشف الأسرار، ولكن ... سأختار لك سراً واحداً. أعمل الآن على ترجمة رواية لليافعين من الأسبانية إلى العربية، أظن أنها ستكون ذا أثر مميز، وستكون مرجعاً لنوع محدد من الأهل، و المؤسسات.
20. قلت مرة، أن أطفالك يلهمونك في كتابة بعض القصص... كيف؟
ماذا لو وجدت تنينة غاضبة في بيتك؟
وقصة قيد الإنتاج، اثنتان من قصص أحبها جداً جاءت بإلهام من ابني ٧ سنوات.
21. وهل أنت مع قراءة قصص الأطفال؟ بأقلامهم؟ هل من الممكن أن يحصل ذلك؟
من وقت لآخر تصلني قصص بأقلام الأطفال، أسعد بها.
أظن تقصدين هل من الممكن إنتاج كتب بأقلام الأطفال، نعم الفكرة واردة، لكن على طريقة رمانة فإن الأمر يطبخ على نار جد هادئة، ويأخذ وقتا.
22. كيف تجمعين بين علومك وعلوم الأطفال في مستويات عمرية متفاوتة؟ هل إلى هذه الدرجة الطفل "حي" في داخلك؟
القدرة على جمع الخبرات والمعارف، ودمجها في مجال أدب الطفل يحتاج إلى تجارب، وتراكم خبرة، ووقت، ووقوع في أخطاء، وتدريب، ومطالعات مكثفة... وتمزيق مسودات كثيرة.
الأمر لا يتعلق فقط بالطفل الجواني. أحيانا وأثناء العمل على كتابة نوع معين عليك إخفاء وإسكات الطفل فيك. الكتابة تشبه إنشاء طبقات من عجينة الباف (البقلاوة). كل طبقة تحتاج استحضار نوع محدد من المعرفة، المعلومات، الخبرة، الطفولة... الخ. .
وثمة إيقاع عليك أن لا تفقديه.
23. ماذا يمكن أن يترتب على الطفل من خسارة عند كبره من عدم القراءة في الصغر؟ وهل يمكن لقراءة القصص أن تشكل فارقاً في حياته؟
الطفل الذي لا يقرأ، يخسرُ نصف عمره، وجزءًا كبيراً من قدرات قابلة للتطور، والاستفادة منها في كل مجالات حياته مهما تفاوتت.
24. نقد أبكاكي؟
لا أتذكر صراحة أن نقداً ما كان له القدرة والسلطة أن يجعلني أبكي. في العالم العربي أصلاً نفتقد لحرفة النقد. وبطبيعتي أبحث عن النقد كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ولكن أعرف أن أختار من ينتقد بعمق ودقة وموضوعية. لذلك فإن النقد ههنا يفرحني، وحاول أن أستفيد من كل توجيه.
25. من هو أول شخص تقرأين له قصصك بعد كتابتها؟
أحياناً لا أقرأ نصوصي لأحد. ولكن قارئي الأول هم أطفالي، وأنا غالباً آخذ بملاحظاتهم.
26. كيف للكتاب، خصوصاً كتاب الطفل أن يحافظ على مكانته في ظل التطور التكنولوجي؟ ولمن المستقبل الورقة أم الـ "Tab"؟
لا أظن أن الكتاب الورقي الخاص بالطفل، وفي ظل التطور التكنولوجي سيفقد قيمته، ذلك أن أحد جوانب السحر في كتاب الطفل هو تفعيل الحواس كلها خاصة حاسة اللمس، ولذة تصفح الورق، وهذا ما لا تتيحه الشاشات حالياً.
بالطبع، الكتب، والقصص، وبرامج الأطفَال الآمنة الإلِكترونية لها فوائدها، وإيجابياتها، وباتت جزءاً من واقعنا ولكنها لا تغني عن الكتاب الورقي، وجماليته، وفعاليته في إيقاظ الدهشة بتفاصيل حسيّة لا تؤمنها الأجهزه الإلِكترونية. وأنا أؤمن إيماناً خاصاً بأن الفرحة بتصفح كتاب هو أمر فطري.
27. هل ظُلمت موهبة أمل " في البلاد العربية"؟
لست أنا أمل المظلومة ككاتبة في العالم العربي فقط، لا يقتصر الأمر على فرد. كلنا مظلومون، وثمة ظلم خاص يطال الكُتّاب اللبنانيين على وجه التحديد. أحد أوجه الظلم أنه غير متاح لنا أن نتفرغ للكتابة، نحن في سباق دائم مع الوقت. نحمل عدداً هائلات من البطيخات في يد واحدة ونركض. إذا كنت أغبط أمراً ما في العالم الغربي، فإنني أغبط طريقة التعامل مع الكاتب، ونمط عملهم في النشر والتسويق، واحترامهم لكتاب الطفل.
28. ولو لم تكن أمل كاتبة أطفال، الآن ، ماذا سوف تكون؟
لو لم أكن كاتبة وناشرة، كان يمكن أن أعمل في الإخراج السينمائي، وقد حصلت فعلاً على منحة لدراسة الاختصاص، ولكن حالت الظروف دون ذلك.
29. كم نسبة تقصير الأهل، والدولة في هذا المجال؟ وما هو دورهم؟
نسبة تقصير الأهل والدولة، والله بت أستحي الكلام في هذه النقطة. ولكن آسف للأهل الذين يولون اهتماماً لكماليات ساذجة، ثم يتذمرون من أسعار الكتب، ويتخذونها حجة كي يحرموا أطفالهم من هذه الكنوز.
أما بخصوص الدولة فخلينا ساكتين.
30. إلى أي حد القصص التي تكتبينها متأثرة بطفولتك؟وكيف كانت طفولة "أمل"؟
لا يمكن سلخ كتاباتنا عما عايشناه، حتى لو صدف أن كانت قصصنا متخيلة. قصة يونس على سبيل المثال، استلهمتها من شاب كان يصطحب أخته الصغيرة المصابة بمتلازمة داون كل يوم إلى دكان عمي، ليشتري لها الحلوى، وكان يدللها دلالاً مميزاً في وقت كان الناس يعتبرون أصحاب متلازمة داون مصيبة، وكان الأهل يخجلون بأطفالهم من ذوي المتلازمة.
كتاب أمل كان نوعاً من التشافي من مرحلة صعبة عايشتها على مدى سنوات.. كتاب أرشيفيا كان عبارة عن تراكمات. ثمة كتب تحت الإنتاج أيضاً مستلهمة من معايشتي ومراقبتي ومخزوني البصري. غالباً هناك حكاية داخل حكاياتنا وهذا ما يساهم في تنوع القراءات ووجهات النظر والفهم لكتاب واحد.
أختصر طفولتي بأنها كانت غنيّة متنوعة مليئة بالتجارب والمغامرات والثقافات المختلفة، والطبيعة، والفضول الطفولي، والاستكشاف وتذوق جمالية الفنون على اختلاف أنواعها.
في النهاية، تعود أمل مع "3 ثعالب ذكية" من إصداراتها وتترك لكم الأمل في الخارج، لكن انتبهوا أن تقفلوا أبوابكم، دائماً هناك شيء في انتظاركم.. دائماً هناك "أمل ناصر" تطل من وراء نقابها كنصفي رمانة!.