نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
من زنزانة , ثم من مقبرة , للفلسطيينين الذين تبقى لهم بمثابة الفردوس لأنها أرضهم , وأرض آبائهم , إلى منتجع على شاكلة الكوت دازور لأثرياء , ولنجوم , العالم , لهذا إخلاؤها من أهلها , بعدما تحولت إلى أرض يباب . هكذا فكّر دونالد ترامب الذي يحكم العالم بذهنية تاجر العقارات . وكان اعتراض من العالم السوسيولوجي السويسري اتيان وينفرالذي اعتبر أن دونالد ترامب يهدد حتى مستقبل الولايات المتحدة لنقص مروع في فهم "روح الأمة" التي لا يراها إلا في ناطحات السحاب .
أمبراطور غريب الأطوار . مثله تحديداً من سقطت على أيديهم الأمبراطوريات الكبرى . في لقاء الثلاثاء لم يسأل بنيامين نتنياهو كيف صنع ذلك الخراب , لكأننا أمام سدوم وعمورة . الحاخامات يدعون "الملائكة المدمرة" إلى "محق العرب مثلما تمحق الديدان" . يعتبرون أن ما فعله الائتلاف الحالي إنما هو تنفيذ لرغبة يهوه في إزالة "الأرواح الشريرة" من أرض الميعاد .
لكنه أكد رفضه للحروب , لا سيما في الشرق الأوسط . ولكن بعدما دمرت الحرب على غزة , وعلى جنوب لبنان , كل أشكال الحياة , بل ودمرت الحياة نفسها .
العرب ليسوا سوى نسخة عن الهنود الحمر , دون أن يحاولوا , يوماً , التفاعل مع ديناميات الأزمنة , ليبقوا هكذا عالة على القرن .
عالم السياسة الفرنسي أوليفيه روا سأل ما إذا كان هذا الرجل , بشعاره "لا حروب" , البعيد عن منطق الأشياء , يعلم أنه , بالقيود الاقتصادية , أو بالنظرة العرجاء إلى قضايا الشعوب , يشعل الحروب الأبدية . أليست أزمة عام 1929 أحد الأسباب الكبرى لاندلاع الحرب العالمية الثانية , حين كان على الألماني أن يضع على العربة كيساً من الماركات لشراء بضعة أرغفة ؟ الآن ضغط مروع على الأعصاب الاقتصادية لدول محورية في العالم . ليتحدث كبار الخبراء الاقتصاديين عن سلسلة من الانفجارات في سائر أنحاء المعمورة .
البشرية لم تشهد ذلك النوع من الفوضى , ربما منذ أن قتل قايين هابيل . ثمة ملك على أعلى عرش في التاريخ يتلهى في القتل المنهجي للعالم أي أميركا إذا ما تحول الآخرون إلى أنقاض ؟ هكذا يصرخ أحد معلقي مجلة "دير شبيغل" الألمانية في وجهه، تصوروا أن يأتي التحذير من اندلاع الحرب العالمية الثالثة من ألمانيا التي عانت ما عانته على يدي الفوهرر .
المعلق دعا إلى التأمل في وجه دونالد ترامب حين يوقع على تلك القرارات الجهنمية بأصابع لكأنها أصابع الآلهة كاليغولا القرن إذا ما تذكرنا الأمبراطور الروماني الذي عيّن حصانه كاهناً ثم وزيراً وكاد يوصي بأن يرثه في إدارة الأمبراطورية .
حدقوا جيداً في وجوه , وفي مواقف , أركان الفريق الذي اختاره ترامب ليكون غرفة العمليات الخاصة بإدارة العالم، هل تشبه الكائنات البشرية حقاً ؟ ذاك الذي يعتبر نفسه أهم شخصية أنتجتها أميركا , وأهم شخصية أنتجها القرن , قد يتعثر بحصاة ويقع . هذا رأي جوزف ستيغليتز , الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد , حين يحذر من نهاية تراجيدية ليس فقط للرئيس الأميركي , وإنما أيضاً للدولة الأميركية , حين توصد كل الأبواب في وجهها . "وول ستريت جورنال" تحذر "إذا ما أفلتت الشبكة العنكبوتية من أيدينا , لا بد للقرن أن يفلت من أيدينا " .
نحن كعرب , ما زلنا , بالنسبة إلى ترامب وفريقه , القوافل التي تمضي بها الإبل عبر الصحارى , وعبر الأزمنة . هكذا كان يرى فينا مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون . لا مكان لنا , ولا زمان لنا , إلا في العالم الآخر . هل ثمة من قرار أكثر غرابة من قراره السيطرة على غزة , إلا إذا كان يرى فيها الولاية الثانية والخمسين بعد كندا الولاية الحادية والخمسين . لكنه يريدها خاوية من أهلها . مجرد عقار في الشرق الأوسط , ويمكن استثماره كملهى ليلي , ونهاري . لا مشكلة في "البضاعة البشرية" التي يمكن استجلابها إما من لاس فيغاس أو من البيفرلي هيلز , ناهيك عن مناطق أخرى في العالم لا تطفأ فيها الأضواء الحمراء .
حتماً ترامب أشاح بنظره عن تلك المشاهد الأسطورية التي زعزعت عظام ملوك التوراة . للمرة الأولى تودع الأمهات الإسرائيليات أبناءهن العسكريين بالبكاء . على صفحات "هاآرتس" الكثير من الكلام عن إصابة ضباط وجنود بـ"متلازمة غزة" (The syndrome of Ghaza ) مثلما عانى الضباط والجنود الأمريكيون من "متلازمة فيتنام" (The syndrome of Vietnam ) .
ترامب وعد نتنياهو بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية , بعدما كان هو قد قال بسيادتها على مرتفعات الجولان السورية , وبسيادتها على القدس بشقيها الشرقي والغربي . غداً اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على المناطق السورية التي تم احتلالها في الآونة الأخيرة , ودون أن تصدر أي إشارة اعتراض من قبل الإدارة الجديدة المنهمكة بتصفية "فلول النظام" , بعدما تم تهريب رآس النظام، ما معنى ملاحقة "الفلول" , وهو تعبير يبرر اجتثاث طائفة , أو طوائف , بعينها ؟
لننتظر اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الشرق الأوسط , ومن بحر قزوين حتى بحر مرمرة . رجل بمواصفات تدمج بين مواصفات هتلر وكاليغولا إلى أين يمكن أن يقود أميركا أو أن يقود العالم ؟ حصان هرم ويحاول أن يجر جبال النار...