طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
بمعزل عما سيعود به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من زيارته لواشنطن حول مستقبل التعاطي الأميركي ـ الإسرائيلي مع المنطقة عموما، ومع إيران تحديدا، فإن إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات جديدة على شبكة دولية لنقل ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني إلى الصين إنما يندرج في إطار توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب لزيادة الضغط على الحكومة الإيرانية سبيلا لجذبها إلى اتفاق جديد حول الملف النووي الإيراني بالشروط الأميركية قبل الذهاب إلى خيارات عسكرية صدها تدفع إسرائيل إليها بقوة منذ زمن طويل لتدمير المنشآت النووية والاستراتجية الإيرانية لأنها تعتبرها "خطرا وجودياً" عليها.
ويقول مصدر ديبلوماسي مطلع على ما يمكن أن تكون عليه طبيعة العلاقة الإيرانية ـ الأميركية في ولاية ترامب الثانية والأخيرة لموقع "الأفضل نيوز"، إن هذه العلاقة سجلت واقعتين سيئتين بالنسبة لإيران أيام الولاية "الترامبية" السابقة وكانتا بقرار منه: الأولى خروج الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع دول مجموعة الـ"5 + 1 " أيام ولاية باراك أوباما عام 2015.
والثانية، اغتيال القوات الأميركية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد عام 2020. ولذلك فإن من يقولون إن العلاقة الإيرانية ـ الأميركية تتجه نحو الأفضل اعتمادا على تصريحات مسؤولين إيرانيين، من الرئيس مسعود بزشكيان إلى غيره، تقول بالاستعداد للتفاوض مع ترامب، إنما يعتمدون على كلام إيراني مجتزأ أو مجزوء، لأن لدى بزشكيان الرئيس المنتمي إلى التيار الإصلاحي مواقف تنتقد الولايات المتحدة الأميركية بشدة أكثر من المحافظين أحيانا، كما أنه بعد كل ما حصل من حروب إسرائيلية مدمرة في قطاع غزة ولبنان فإن العلاقة بين طهران وواشنطن تتجه إلى التأزم أكثر لأن منسوب العداوة ارتفع جداً نتيجة ما ارتكبته إسرائيل بالسلاح الأميركي ضد لبنان وغزة.
ويضيف المصدر أن الأمر الذي يُعتمد عليه لتوقع حصول تحسن في العلاقة بين طهران وواشنطن من عدمه هو مدى ابتعاد ترامب عن تنفيذ الأجندة الإسرائيلية وأن يبادر إلى فتح باب الحوار مع إيران بعدما لمح إلى استعداده للاجتماع مع المسؤولين الإيرانيين، ولكن مسار الأمور كما هو قائم الآن لا يشير إلى ذلك، وبالتالي فإن هذا يعني أن باب التفاوض المباشر يبقى مقفلاً.
ويكشف المصدر أن ما يحصل الآن على الصعيد الأميركي ـ الإيراني لا يتعدى موضوع تبادل الرسائل بالواسطة كما كانت الحال في السابق، فآخر تجربة حوارية مباشرة بين البلدين كانت أيام الرئيس محمد خاتمي، أما بعدها ووصولا إلى يومنا هذا فلا يوجد تفاوض أو حوار مباشر بين الجانبين، وحتى التفاوض حول الاتفاق النووي لم يكن مباشرا وثنائيا، وإنما كان خماسيا عبر دول "الخمس زائد واحد"، وبالتالي لا تفاوض ثنائيا يحصل بين الجانبين، وما يحصل منذ انتهاء ولاية خاتمي وحتى اليوم هو تبادل رسائل تتولاها أطراف دولية (سويسرا راعية المصالح الأميركية في إيران منذ انقطاع العلاقات الديبلوماسية إثر انتصار الثورة الإيرانية عام 1979) وإقليمية (سلطنة عمان وقطر والعراق).
ويعتبر المصدر أن ابتعاد ترامب عن الصهاينة -إذا حصل- فإنه يفتح باب التفاوض بين طهران وواشنطن، لكن ليس واضحا حتى الآن أنه ذاهب في هذا الاتجاه، بل إن ما يحصل هو العكس حيث يطرح ترحيل سكان غزة إلى مصر، علما أنه ليس واضحا ما إذا كان هذا الطرح قابلا للتطبيق، أم إنه ينم عن جهل في مكان ما أو عن خفة الجهة التي تبنته للاعتبار الآتي:
ـ إن أهالي غزة المستطيلة المساحة والشكل محاصرون من غلاف غزة من الشمال والشرق ومن البحر غربا، ومن محور فيلادلفيا جنوبا، استطاعوا بصمودهم ومقاومتهم منع إسرائيل من احتلال القطاع والقضاء على المقاومة، فكيف سيكون حالهم خلال سنوات إن وضعوا في سيناء وتوافرت لهم إمكانات قتالية من خلال مطارات وطائرات وغيرها هناك؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى أهالي الضفة الغربية، إذا دُفعوا إلى الأردن، فأول نتيجة ستكون سقوط النظام الأردني وتكون لهم دولة في الأردن لديها كل المقومات العسكرية وغير العسكرية، وفي هذه الحال كيف يمكن لإسرائيل أن تقبل بهذا الوضع، فهي عجزت عن القضاء على مقاومة محاصرة في غزة والضفة، فكيف لها أن تقضي على مقاومة تتوافر لها كل أسباب القوة في مناطق غير محاصرة في سيناء والأردن؟
ويؤكد المصدر الديبلوماسي أن إيران ترى أن مشروع ترامب في شأن فلسطينيي غزة والضفة غير قابل للتطبيق، وكذلك تراه دول كثيرة عربية وغير عربية، فطوال 15 شهرا من الحرب والتدمير لم تتمكن إسرائيل من تهجير الغزيين من أرضهم، أو تمحوهم من الوجود، فكيف لها أن تقضي عليهم إن سكنوا في الأردن وسيناء وجاء اليهم من يمدهم بكل أسباب القوة لمحاربتها؟ ولذلك لا ترى طهران هذا الطرح "الترامبي" جديا وبالتالي ليس لديها أي خوف في هذا الاتجاه.
وفي رأي المصدر الديبلوماسي نفسه إن مشكلة نتنياهو في غزة هي إفراطه في القتل على مدى 15 شهرا من الحرب، فهذا الإفراط هو من أكبر الأخطاء في الحروب لأنه ترك لدى الغزيين انتقاما شخصيا سيحملونه على الدوام ومع كل الأجيال إلى جانب هدفهم المتمثل بتحرير أرضهم من الاحتلال، ولذلك لا يمكن لنتياهو أن يعتبر ما حصل في غزة انتصارا له، بدليل أن نتيجة الحرب كانت وقف النار وتبادل إطلاق الأسرى والمعتقلين بينه وبين حركة "حماس" وأخواتها ومن ثم الانسحاب من غزة، في الوقت الذي يرى بأم عينيه مدى قوة المقاومة والاحتضان الشعبي الذي تحظي به على رغم كل المجازر والإبادات الجماعية والدمار الذي ارتكبه في غزة، ما يجعل من مشروع تهجير الغزيين أمرا غير قابل للنجاح.
ويؤكد المصدر أن إيران تترقب التطورات التي لم ترسُ على بر بعد حيث إن الصورة ما تزال ضبابية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي لبنان وسوريا، حيث لا مستجدات بعد يمكن البناء عليها للمستقبل. ولكن الإيرانيين يولون حاليا موضع تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أهمية كبيرة. إلى جانب الاهتمام بموضوع إعادة إعمار ما هدمته الحرب، فطهران أبلغت المعنيين أنها ستقوم بواجبها في هذا المجال، لكنها لن تعلن عن ذلك لأن هناك من ينتظر إعلانها عن أي شيء من هذا القبيل ليتخذ منه ذريعة لشيطنة مساعدتها وبالتالي التهرب من المساهمة، ولهذا فإنها لن تعلن عن أي شيء، وتقول لمن يرغب بتقديم المساعدة أن يتقدم من لبنان من دون السؤال عن إيران وعن كل من يريد المساعدة، هكذا ختم المصدر الديبلوماسي.