مفيد سرحال - خاصّ الأفضل نيوز
تمذهبت الأمة فسقطت العروبة ..كثر صاروا مشدودين عصبويًّا إلى الذات المُقَعَّرة بين الأنا والأنا المفتتنة بذاتها ما يعني انقباض المسافة مع رحب انسانية وتقلص الهوية الجامعة لأمة العرب.
بلوعة وسخط ننعي تلك الرابطة القومية تحت وطأة تشليع المُشَلَّع وتمزيق المِزق الكيانية المستولدة في رحم استعمار بغيض أعمل مبضعه في تركة الرجل المريض في العقد الأول من القرن العشرين.
الاستعمار عينه يعود على صهوة العالم الانكلوساكسوني المتحد الذي تمسك بناصيته الترامبية بجموحها الاستعلائي وجنونها التوسعي تكريسا"للنزوع الاميركي المتجدد دائما نحو الامبراطورية وعولمة المفاهيم الليبرالية،تلك النزعة التي تقودها لوبيات المال والسلاح والإعلام تخفي في طياتها بعدا لاهوتيا يجمع في اتجاهاته العملية بين مشروع نتنياهو التوسعي وتطلعات المسيحية الاصولية في الولايات المتحدة الأميركية إلى اقامة مملكة ((إسرائيل)).
والحال أين نحن اليوم من تعريف العروبة الأقرب للعقل والوجدان :((من سكن ديارنا وتكلم لغتنا واعتز بعتنا فهو منا)).
لا بل أين نحن راهنًا من مفهوم الشاعر القروي للقومية العربية:((العروبة شعار الأمة العربية وروحها وشمس أوطانها وهوى أفئدتها وملتقى ما تعدد من أقاليمها ولهجاتها. العروبة دين الأمة الشامل والدين إيمان ومحبة وتعاون وخير عميم ...))
وتتجلى في هذا المقام النبيل وحدة اللغة والتاريخ وعلى أهمية التراث الإسلامي في تكوين العروبة إلا أنها تتسع لتشمل كل الأديان والمذاهب المتحدة في جوهره فتصبح دين الأمة الشامل القائم على الإيمان والمحبة والخير العميم.
والحال سواء قبل البعض أو رفض ولو ندفوا قطن الأرض ووصلوا الأرض بالسماء ستظل مقاومة الاحتلال الصهيوني ومشروعه التلمودي التوسعي الاستيطاني عصب العروبة والحركة الثقافية الصراعية الإنسانية الأجل والأرقى والأمضى والأمثل في تصليب الوحدة القومية وتمتين أواصرها لا بل المادة اللاصقة العصية على الفسخ أو الانفكاك أو التملص تحت أي لافتة أو شعار.
لقد ظن أصحاب الظنون أن ما جرى بعد السابع من أكتوبر من حدث إعجازي وإسناد بطولي من رجال الله في لبنان وتداعي الغرب الجماعي بقضه وقضيضه وإمكانياته لسحق مقاومة هزت الكيان الوظيفي الذي لامس لأول مرة منذ نشأته إرهاصات الزوال والاضمحلال أن المقاومة شلت إرادتها ودمرت قدراتها
صحيح ودون إنكار أن المقاومة تعرضت لضربات قاسية لكنها لم تهزم أو ترفع الراية البيضاء وتستسلم كذلك لم يحقق العدو الصهيوني نصرًا مطلقًا بشهادة المخلوع غالانت الذي عرى رئيس حكومته ومعه أوهامه وتخرصاته وعنترياته حول القضاء على المقاومة في غزة ولبنان.
وصحيح أن متغيرات زلزالية عميقة هزت محور المقاومة وخلصت معادلات جديدة في الإقليم غير أن هذه المتغيرات كانت ولم تزل وستبقى بفعل دينامية التاريخ محطة من محطات الصراع ليس إلا وستعيد حتماً تأكيد المؤكد أن خيار المقاومة كان وسيبقى المتكأ والخاصية الاستراتيجية الحاكمة لمواجهة التغول الأميركي والوحش الصهيوني المتكالب على أقطار الأمة حتى أولئك الذين خرجوا من دائرة الصراع أو لم يدخلوا أصلاً والدليل الهجمة الصهيو - أميركية لتوسعة الكيان العبري كما وعد ترامب وتصفية القضية الفلسطينية والتمادي الوقح في التعدي على سيادة مصر والأردن والمملكة العربية السعودية من خلال خطة تهجير الفلسطينيين وكأن تلك الدول العربية الشقيقة عقارات ملك يمين ترامب أو جزء من ميراث العم سام في دنيا العرب.
وبذلك قولًا واحدًا نجد أنفسنا وبوهج العروبة متضامنين مع أشقائنا العرب حريصين على سيادتهم بوجه غطرسة ترامب وجموحه وشهوة نتنياهو الذي يفغر شدقه لابتلاع الجغرافيا العربية في سوريا ولبنان وفلسطين ويهدد استقرار الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية.
إن هذه المناخات التي يجري تسويقها بالابتزاز والضغط والتهويل تعيدنا إلى المربع الأول بمعنى أن ما من عربي إلا وبات على يقين حتى الذين استحكمت في عيونهم ونفوسهم الشماتة لحسابات ظرفية ضيقة أو نزق إيديولوجي، بأن المقاومة خيار الشعوب التواقة للحرية مهما تغطرست القوى العظمى وتمادت في غيها وتسلطها ودون ذلك سيادة منتهكة واغتصاب وكرامة وطنية مهددة مستباحة.
بناء على ما تقدم فإن المقاومة بنت العروبة وكلاهما صمام أمان وحدة الأمة ورغم اختلال الموازين وتفاوت التفوق التكنولوجي إلا أن الروح التى هي بعض الله لن تقوى عليها قوى البغي والعدوان والقادم من الأيام في ظل ما يجري في الإقليم وعالمنا العربي من هجمة أميركية استعلائية لا تقيم وزنًا لصديق أو حليف سنشهد اتساع بقعة زيت المقاومة كفكرة وتمددها بدافع وجداني قومي تحفزه الكرامة الوطنية لا بل نحن أمام استيقاظ الوعي على وقع الحقائق الدامغة بمخاطر السياسات الاستعمارية الفجة الفظة بأسلوبها وآليات اشتغالها لمحو الهوية العربية وإسقاط الحق القومي في الأرض والمقدسات والتمادي في التوسع وفرض الإملاءات وتخطي كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية بالتعدي الجائر على كرامة الدول وسيادتها.
باختصار شديد العروبة حية طالما جذوة المقاومة متقدة لم يخبو أوارها أو يخفت وهجها ولا شك أننا أمام العودة إلى الجذر المقاوم وهذا ليس حلمًا رومانسيًا بقدر ما هو حاجة وضرورة فرضتها وستفرضها الأحداث الناجمة عن هجمة استعمارية غير مسبوقة وخطط توسعية تترجم كل آن وتعبر عن نفسها....
عندها فقط يصح ترداد قول الشاعر القروي: ((أمتي أنا مكثرا ووطني أنا مكبرا إذا اقتطع منه ذئاب الاستعمار قطعة فكأنما أكلوا جارحة من جوارحي وإذا هدروا عربيًّا في لبنان أو تطوان فكأنما شربوا نغبة من دمي وكأن كل بلد قوي من بلادي ساعدي مفتولا وكل شعب خامل فيها زندي مشلولا بل ما أعد جسدي إلا خلية في جسد أمشي.. أنا واحد من سبعين مليونًا من العرب كل واحد منهم أنا فينبغي أن أحبهم قدر سبعين مليون نفس كنفسي..))