رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
يدخل يوم الثامن عشر من شباط 2025 في مَسِيرة جديدة من المواجهات مع العدو الإسرائيلي، وقد شكَّل خروجاً من الأراضي اللبنانية تحت ضغط القرارات الدولية والاتفاقيات الديبلوماسية، والتي لم تنتج إلاّ بالتحصُّن في خمسة مواقع وتلال ومرتفعات استراتيجية، فاليوم هو موعد انتهاء المهلة الممدّدة لهذا الانسحاب، من جنوب لبنان تطبيقاً لاتّفاق وقف إطلاق النار، بعد أن خضع لمفاوضات شرسة قامت بها الدولة اللبنانية، التي رفضت رفضاً قاطعاً أيّ تمديد ثانٍ للانسحاب.
مقابل ذلك، أصرّت إسرائيل على البقاء في الجنوب، في خمسة مواقع هي عبارة عن تلال مطلّة على مستوطناتها ، بحجة ضمان أمنها، التي تستعدّ لاستقبال سكّانها بعد فرارهم منها منذ بداية الحرب، باعتبار أنه عامل لاطمئنان مستوطنيها إلى عدم قدرة المقاومة على استهدافها، فالتزم لبنان بمندرجات اتفاق وقف النار وملحقات القرار الأممي ١٧٠١، أحبط المحاولات الإسرائيلية المتكررة في استدراج الجانب اللبناني، إلى ردود فعل على الخروقات الإسرائيلية برًّا وجوًّا، وعمليات هدم المنازل وجرف الطرقات والبنية التحتية في القرى الحدودية، فتم إفشال كل المناورات الإسرائيلية لتأخير الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، فيبقى إنجاز الانسحاب الإسرائيلي اليوم ناقصاً، لأن العدو أصرَّ على البقاء في خمس تلال حدودية ذات مواقع استراتيجية في العلم العسكري لا معنى لها، بعد أن تجاوزته التكنولوجيا العسكرية الحديثة في الكثير من معطياته السابقة.
هذا وكشفت مصادر واسعة الإطلاع لــ"الأفضل نيوز"، بأن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، كثَّف جهوده في هذا الملفّ، مع واشنطن وباريس لحصول الانسحاب في التاريخ المحدّد، لكنه صُدِم مجدّداً برغبة إسرائيلية بالبقاء في مواقع خمسة، هي عبارة عن تلال استراتيجية مطلّة على المستوطنات، إذ أفادت مصادر دبلوماسية غربية، بأنّ إسرائيل وافقت أيضاً على الانسحاب التدريجي من جنوب لبنان، شرطَ البقاءِ في المواقع الخمسة لغاية 28 شباط، تحت حُجّةِ الإشراف على عودةِ المستوطنين بسلام، كما أكدت المصادر عينها، بأن الديبلوماسية الفرنسية قد لعبت دوراً مهماً وسيطاً في المفاوضات، فاتّصل الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثرَ من مرّة بالرئيس جوزيف عون، وتواصَلَ مع الجانبِ الإسرائيلي، وأَبلغه برفضِ عون القاطع لأيِّ إبقاءٍ على أيِّ موقِعٍ تحت الاحتلال الإسرائيلي.
كما قدَّمَت فرنسا اقتراحاً رسمياً جرى التفاوضُ عليه، وأعلنه وزيرُ خارجيتها جان-نويل بارو من باريس، يقوم بنشر جنودٍ من قوات اليونيفيل، بمن فيهم جنودٌ فرنسيون، في التلال الخمس، من أجل انسحابٍ كاملٍ ونهائيّ لإسرائيل من لبنان، ولقي هذا المقترح قبول أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، لكنه رُفِض من الجانب الرسمي اللبناني، باعتبار أنّ بقاءَ الإسرائيلي يعني خرقاً من إسرائيل للقرار 1701، وبالتالي هذا يمنعُ أيَّ عمليّةِ محاسَبةٍ دوليّة للبنان على تطبيقِ أو عدمِ تطبيق القرار، إضافة لذلك، فإنّ الاقتراح الفرنسي رفضته تل أبيب، متذرعة بحادثة تعرُّض الآليّة التابعة لليونيفيل على طريق المطار وإصابة عدد من العناصر فيها، فيما الوساطة الأميركية ارتكزت بحسب مصادر دبلوماسية أميركية، على انتشار قوّات متعدّدة الجنسيّات في المواقع الخمسة، أو شركات أمنيّة خاصّة كما حصل في نتساريم في قطاع غزة، لكن لبنان رفض هذا الاقتراح بشكل كامل.
يمكن القول إن احتفاظ الإسرائيليين بالنقاط والتلال الخمس، هو لتأمين الأجواء النفسية المناسبة لإعادة سكان المستوطنات الإسرائيلية إلى بيوتهم، وإشعارهم بأنهم بحماية الجيش الإسرائيلي المتواجد على التلال المشرفة على قراهم، على امتداد الشريط الحدودي الفاصل بين الجانبين، لكن لبنان غير ملزم بتأمين الأمن للمستوطنات الإسرائيلية، وإن كان سيبقى حريصاً على التمسُّك باتفاقية الهدنة، والقرارات الدولية ذات الصلة، لتحرير كامل الأراضي اللبنانية، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والقسم اللبناني من بلدة الغجر، وذلك كما نصَّ عليه القرار ١٧٠١، والذي تمَّ تأكيد التزاماته في اتفاق وقف العمليات العسكرية في ٢٨ تشرين الثاني الماضي.
اليوم أصبح لبنان في موقع دولي مختلف عمّا كان عليه في العشرين سنة الماضية، وأنّ سياسته الخارجية انقلبت إلى نقيض ما كانت عليه، إذ ستبقى الساحة الداخلية مفتوحة على احتمالات التصعيد، حيث تفيد مصادر ديبلوماسية، بأنّه لا يمكن إعادة إعمار لبنان، من دون تطبيق القرار الدولي 1701 ومن دون تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار، ولهذا وُضع لبنان تحت المجهر الدولي في كلّ تفاصيله وحركة الدخول والخروج منه، والوصاية الدولية على لبنان أمنيًّا وسياسيًّا وإقتصاديًّا، تبدأ من ضبط معابره الجوّية والبرّية والبحرية، وهو ما بدأ يظهر وسيظهر تباعاً في المرحلة المقبلة.
أحد العناوين الأساسية لما يمر به لبنان هو الحدود، وضبط الحدود سيبدأ بتثبيتها، سواء الحدود البرّية مع إسرائيل وسوريا أو الحدود البحرية مع قبرص، وهو عنوان كبير يُقبل لبنان عليه، وبتثبيت حدوده الدولية، يكون قد قطع أوّل امتحان بسلام، على اعتبار أنّ أيّ دعم سيحصل عليه هذا البلد لن يكون بلا ضوابط، بل مشروط باستحقاقات أمنيّة وسياسية واقتصادية، أما في ما يتعلّق بالبرّ، فمزارع شبعا متروكة لمعرفة الموقف السوري والنقاش فيها، فإذا اعتبرت سوريا أنّ المزارع هي أراض سوريّة، فسيكون على لبنان دخول معركته معها في مجلس الأمن، لإثبات لبنانيّتها قبل تثبيت حدودها، وفي ما يتعلَّق بالجوّ، تقول مصادر ديبلوماسية غربية وعربية، إنّ خطّ الطيران المباشر بين بيروت وطهران قد ينقطع لمصلحة المرور بدولة أخرى، وبحريًّا ستخضع الحدود للتفاوض مع قبرص، مع كلّ ما فيها من أهمّية لوجود الاحتياطات الغازيّة في مياه لبنان.
كلّ المعطيات الدبلوماسية والسياسية في لبنان تقول، إنّ الساحة الجنوبية مقبلة على بقاء احتلال إسرائيل لبعض المواقع الحسّاسة، من دون تحديد موعد نهائي للانسحاب منها، ومصادر غربية تكشف، أنّ إسرائيل لن توقف شنّ غاراتها على لبنان، في الجنوب وفي العمق، تحت عنوان ضرب ترسانة المقاومة، وكذلك لن توقِف الاغتيالات الأمنيّة التي كان آخرها قبل يومين في الجنوب وفي صيدا.