حمل التطبيق

      اخر الاخبار  إدارة الطيران الفيدرالية: إصدار قيود دائمة على حركة المروحيات حول مطار واشنطن بعد حادث تصادم مميت   /   جيروزاليم بوست عن مسؤول إسرائيلي: موقف حماس لم يتغير رغم جهود الأمريكيين والوسطاء ورغم استعدادنا للمرونة   /   القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر: هناك تقدم في مفاوضات ‎الدوحة لكن لا اتفاق نهائيا بسبب فجوات كبيرة بين الطرفين   /   التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على كورنيش المزرعة ‎بيروت بالاتجاهين   /   سي إن إن عن مسؤولين في إدارة ترامب: اجتماع ويتكوف مع بوتين في موسكو أمس استمر ساعات وامتد حتى صباح اليوم   /   التحكم المروري: حركة المرور كثيفة من ‎الكرنتينا باتجاه ‎الدورة وصولا حتى ‎نهر الموت   /   هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة لنتنياهو: التزم بإنهاء الحرب وأبرم اتفاقا شاملا وأعد أبناءنا   /   هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة لنتنياهو: مصدومون من احتمال بقاء المختطفين بالأسر ما قد يعني الحكم بموتهم   /   هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة لنتنياهو: مصدومون من احتمال بقاء المختطفين بالأسر ما قد يعني الحكم بموتهم   /   أكسيوس: نتنياهو يتلقى غدا تقريرا مفصلا من فريق التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في غزة   /   بري: نستطيع تجاوز أي تحدي يمكن أن يواجه لبنان بالوحدة   /   بري: لبنان سوف يلجأ لكل الوسائل المتاحة لحماية حقوقه وتحرير ما تبقى من أرضنا من الإحتلال الإسرائيلي   /   الرئيس نبيه بري: نأمل أن يتم التوافق على إعتماد آلية موحدة لإنجاز التعيينات الإدارية وفقا لمعايير الكفاءة والنزاهة   /   رئيس مجلس النواب نبيه بري: حفظ لبنان من حفظ الجنوب ولن نقبل تحت أي ظرف التخلي عن أرضنا وترابنا وحقوقنا السيادية   /   وزيرة خارجية كندا: سيادة بلدنا ليست موضوع نقاش مع الولايات المتحدة   /   ترامب: الانسحاب من أفغانستان كان سيتم بقوة وكبرياء بدلا من أن يكون أكثر الأيام إحراجا في تاريخ بلادنا   /   ترامب: سنبرم اتفاقا نهائيا مع روسيا والحرب لم تكن لتندلع لو كنت رئيسا   /   إذاعة جيش العدو: ‎نتنياهو يجري بعد نحو ساعة تقييماً خاصّاً للوضع   /   متحدث باسم الحكومة البريطانية: الرد الروسي بشأن وقف إطلاق النار يفتقر للتفاصيل والكرة الآن في ملعب روسيا   /   مجموعة السبع: ندعو لضمانات أمنية تساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها   /   مجموعة السبع: على إيران تغيير مسارها وخفض التصعيد واختيار الدبلوماسية   /   مجموعة السبع: بحثنا فرض عقوبات على روسيا إذا رفضت وقف إطلاق النار   /   مجموعة السبع تشيد بالتزام أوكرانيا بوقف إطلاق النار الفوري   /   التحكم المروري: حركة المرور كثيفة من أنفاق ‎المطار باتجاه ‎خلدة   /   زيلينسكي: نبذل قصارى جهدنا لضمان الأمن الموثوق والسلام اللائق لأوكرانيا وهذا ممكن فقط بفضل شعبنا   /   

من نصف تحرير سعر الصرف إلى نصف السجن الاقتصادي

تلقى أبرز الأخبار عبر :


كتب بيار خوري في الجمهورية

 

في خريف عام 2019، كتبتُ في صحيفة «الجمهورية» مقالاً بعنوان «شُحّ الدولار: نصف تحرير لسعر الصرف»، متعرّضاً إلى التجلّيات الأولى لأزمة العملة التي كانت تلوح في الأفق، حيث بدأت ملامح الإنهيار تظهر مع شح الدولار وتراجع الثقة بالنظام المصرفي.

 

 

 

آنذاك، كان «نصف التحرير» لسعر صرف الليرة تعبيراً عن سياساتٍ اقتصاديةٍ هشّة، ترفض المواجهة الجذرية مع اختلالات النظام المالي والنقدي. اليوم، وبعد ما يقرب من 6 سنواتٍ على ذلك المقال، لا تزال الليرة اللبنانية عالقةً في فخِّ «النصف محرَّر»: لا تحرير كاملاً يُعيد توازن السوق، ولا ربطٌ بالدولار يُوقف الانهيار، ولا ثباتٌ يُطفئ نار التضخّم. بل صار المشهد تعبيراً صارخاً عن عجز السياسات وضياع الحلول، بل عن بؤس الخيارات التي تُدير الأزمة بأدواتٍ تشبه «المسكِّنات» الموقتة، بينما الجسد الاقتصادي ينزفُ منذ سنوات.

 

عندما طرح المقال فكرة «نصف التحرير» عام 2019، كان النظام المصرفي اللبناني قد بدأ يُظهر تشققاته مع شُحّ الدولار وانهيار الثقة. لكنّ الأحداث المتسارعة بعد 17 تشرين الأول 2019، مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية، كشفت زَيف أي إصلاحٍ جزئي. تحوَّل «التحرير الجزئي» إلى سقوطٍ حرٍّ لليرة، من 1500 ليرة للدولار إلى أكثر من 140 ألف ليرة في بعض الفترات، مع تعدديةٍ في الأسعار (سوق سوداء، وتعدّد أسعار رسمية) تعكس فوضى الإدارة. تحوَّلت البنوك من مؤسساتٍ حاكمة للأزمة إلى شبه مُفلسة، مع تقييد السحوبات وفقدان المدخرات، ما أدّى إلى تشرذم الطبقة الوسطى وانتشار الفقر بنسبٍ تجاوزت 80%.

 

على رغم من الخطط المُقترحة (مثل خطة الحكومة 2020، ومفاوضات صندوق النقد الدولي)، بقِيَت الإصلاحات حبراً على ورق، بسبب تعطيل الطبقة السياسية لأي تغيير يُهدّد امتيازاتها. استمرّت الهيمنة السياسية-المالية عينها التي أوصلت لبنان إلى الأزمة، مع تحوّل الدولة إلى كيانٍ هشٍّ يعتمد على تحويلات المغتربين واستنزاف احتياطية العملات الأجنبية والقليل من الأموال الدولية المَشروطة، التي تبخّرت في دهاليز الفساد.

 

لم يكن «نصف التحرير» عام 2019 سوى ترميمٍ ظاهري لأعراض الأزمة، بينما الجذور باقية: سياسة مصرف لبنان المركزي (الاحتياطي المُنهار، الهندسات المالية الوهمية ومنصة صيرفة)، هيمنة المصارف التي حوّلت الودائع إلى ديونٍ مستحقة على الدولة، واقتصار الاقتصاد على الاستيراد والريع، من دون إنتاجية حقيقية. اليوم، صار «نصف التحرير» رمزاً لمسارٍ فاشل: لا السوق حرّة (بفعل تدخّلات المصرف المركزي لمصلحة مجموعات المصالح الخاصة خلال حاكمية سلامة)، لا الدولة قادرة على تثبيت العملة (بفعل انهيار الاحتياطيات)، ولا الثقة مُستعادة (بفعل غياب الإصلاح والمحاسبة).

 

أظهرت السنوات الـ6 أنّ الأزمة الاقتصادية هي في جوهرها أزمة حُكم. فبعد الاحتجاجات التي طالبت بإسقاط نظام المصالح الطائفية، تصاعدت الانقسامات السياسية، وعمّق الغياب الكامل للإرادة الإصلاحية مناخَ الانهيار. وتمسّكت الأحزاب بالسلطة عبر تحالفاتٍ هشة، بينما الشارع يُحاصَر بين الفقر والهجرة. وتحوّل البلد إلى نموذجٍ لـ«الدولة الفاشلة» اقتصادياً، وفق تصنيفات دولية. حتى الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي (2022) ظلت معلَّقة، لأنّ النخبة الحاكمة ترفض شروط الإصلاح (إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إلغاء الدعم غير المُستهدف، محاسبة الفاسدين).

 

لبنان اليوم يعيش أسوأ سيناريو: لا هو بالمرتبط بعملةٍ قويةٍ فيحمي قيمة الليرة، ولا هو بالمتحرّر كلياً فيسمح بتشكيل سعر صرفٍ يعكس الواقع. هذا «المنزلق بين الاثنين» هو نتاج عقليةٍ سياسيةٍ تعيد إنتاج الأزمة لتحقيق مكاسبَ ضيّقة. فما كان في 2019 «نصف تحرير» صار اليوم نصف سجنٍ اقتصادي للمواطن بين تضخّمٍ جامح ومدّخراتٍ تبخّرت.

 

الخروج يتطلّب أكثر من «إصلاحات تقنية». يحتاج الأمر إلى قطع جذري مع نظام المحاصصة والفساد، وبناء عقدٍ اجتماعي جديد. لكن هل يُولد هذا «القطع» من رحم الانهيار نفسه؟ التاريخ لا يُجيب، لكنّ الوضع الراهن يقول إنّ الليرة، كالشعب، ما زالت تنتظر... حكومة من نوع آخر.