عبد الحميد إسماعيل - خاصّ الأفضل نيوز
التاريخ مليء بالدول التي اعتقدت أن الاحتماء بأميركا سيجلب لها الأمن والازدهار، لكن الواقع كان دائمًا مختلفًا.
كل من سار في هذا الطريق وجد نفسه في النهاية وحيدًا، يدفع الثمن وحده، بينما واشنطن تراقب من بعيد، تحصي المكاسب، ثم تسن أسنان أطماعها وتمضي إلى ضحية جديدة، وأوكرانيا اليوم ليست استثناءً.
لكنها اكتشفت متأخرة، أنها كانت مجرد ورقة لعب في يد واشنطن، تُستخدم ثم تُرمى حين تنتهي مدة صلاحيتها.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يكن سوى أداة في يد السياسة الأميركية، وها هو اليوم يدفع ثمن استسلامه لأوهام الدعم الغربي، في حين تحترق "كييف" تحت ويلات الحرب، ويتجرّع شعبه مرارة الخذلان.
في لقائه الأخير مع دونالد ترامب، ظهر زيلينسكي وكأنه طالب مشاكس، يواجه معلمه الصارم. لم يتحدث إليه ترامب كرئيس دولة لرئيس دولة، بل كمن يذكّره بأنه مجرد أداة في اللعبة.
كان المشهد مهينًا بكل معنى الكلمة، لم يكن هناك احترام متبادل، ولا علاقة ندية بين رئيسي دولتين. كان المشهد كما يتعامل السيد مع خادمه، يفرض عليه الأوامر، يملي عليه القرارات، ويذكّره أن أوكرانيا ليست سوى مستعمرة أميركية حديثة، تابعة لا تملك قرارها.
لكن وللأمانة والإنصاف، شجاع هذا الـ"زيلينسكي"، لا يمكن إنكار صموده. الرجل وجد نفسه في معركة غير متكافئة، بين خصم قوي وداعم غربي متردد، ومع ذلك لم يهرب، ولم يختبئ. اختار البقاء في كييف عندما كانت القنابل تتساقط، ورفض العروض الأميركية للخروج الآمن، قائلاً جملته الشهيرة: "أنا بحاجة إلى ذخيرة، لا إلى رحلة هروب." قد نختلف معه في سياساته أو خياراته، لكن لا يمكن إنكار شجاعته في مواجهة المصير المحتوم.
بالعودة إلى لبنان، هل الوضع مختلف؟
بينما تقف أميركا متفرجة، بل وتمارس ضغوطها لمنع أي تحرك حقيقي لمواجهة الاحتلال واستعادة القرى الخمس المحتلة. في جولته الأخيرة إلى الجنوب، سمع رئيس الحكومة نواف سلام من المواطنين كلامًا واضحًا: "أميركا لا تحمينا، المقاومة وحدها تحمينا!" هذه الجملة التي رددها جنوبي لبناني غير منتمي لأي حزب بالمناسبة، إنما فقط يؤمن بجوهر فكرة مقاومة الغطرسة، يؤمن بقول الـ"لا" بوجه الباطل ولو كان بمعايير الأرض هو الأقوى، هذه الكلمات ليست شعارًا سياسيًا، بل حقيقة عايشها اللبنانيون.
عندما كان الاحتلال الإسرائيلي يجثم على الجنوب، لم تكن واشنطن تدعو إلى انسحاب الاحتلال، بل كانت تغطي جرائمه وتحاول إجهاض أي مقاومة. وعندما اندحرت إسرائيل في عام 2000، لم يكن ذلك بفضل دبلوماسية أميركية، بل بفضل تضحيات المقاومين الذين لم ينتظروا إذنًا من أحد ليحرروا أرضهم.
درس سريع...
أميركا لا تحمي الشعوب، بل تبتزّها، تُضعفها، تُشعل فيها الفوضى كي تبقى رهينة حاجتها للحماية الأميركية المزعومة. لم تُنقذ أوكرانيا من الحرب، لم تحمِ أفغانستان من الانهيار، لم تجلب الديمقراطية للعراق، ولم تؤمّن لبنان من الاحتلال. فهل نتعلم من دروس التاريخ، أم ننتظر دورنا في الطابور لنكون الضحية التالية؟