د. علي ناصر - خاص الأفضل نيوز
تمثل خِطَة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لوقف الحرب الروسية-الأوكرانية أحد الوعود الانتخابية الذي قدمها إلى الرأي العام الأمريكي والعالمي. وتهدف الخطة إلى عقد اجتماعات بين المسؤولين الروس والأوكرانيين في المملكة العربية السعودية لمناقشة الخطة. واجهت الخطة تحفظات أوكرانية وقلق أوروبي وموافقة روسية. تندفع الولايات المتحدة في طرح وقف الحرب من استرتيجيات مختلفة تفرض اتجاهاَ دولياَ يتشكل وفق رؤية "ترامبية" جديدة للعلاقات الدولية. في المقابل، تبحث أوروبا عن تسوية مختلفة عن تلك التي تقدمها الولايات المتحدة. تمارس الولايات المتحدة ضغطاً هائلاَ على أوكرانيا وأوروبا من أجل السير بالمقترح الأمريكي وفي سبيل ذلك علقت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية ومشاركة المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا. وأظهرت التطورات التي حصلت بعد المشادة الكلامية بين الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" والرئيس "ترامب" إلى تباين في وجهات النظر بين الأطراف المعنية حول طبيعة الاتفاق المطروح.
خِطَة الرئيس ترامب
تقتضي الخطة الأمريكية من أجل وقف الحرب الروسية-الأوكرانية، أن يتم وقف إطلاق النار على جميع محاور القتال بحلول عيد الفصح في 20 نيسان/أبريل 2025، بعد تواصل الرئيسين الأوكراني والروسي، وقبل ذلك يعقد لقاء بين الرئيسين خلال مدة أقصاها شهر أذار/مارس 2025. وتتضمن الخطة الأمريكية وجود منطقة منزوعة السلاح بين الطرفين ينتشر فيها قوات حفظ سلام-حيث رفض الرئيس ترامب نشر قوات أمريكية فيها- على أن يتم توقيع اتفاقية سلام شاملة والتصديق عليها في 9 أيار/مايو 2025 في ذكرى يوم النصر في أوروبا. تتضمن الخطة الأمريكية بالتسليم بالسيادة الروسية على كافة المناطق التي تسيطر عليها روسيا التي تشكل حوالي 20% من مساحة أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم وفي المقابل يتوقف الهجوم الروسي وتكتفي القوات الروسية بالمناطق التي تسيطر عليها حالياً. وفقاً للخطة الأمريكية لا ينبغي لأوكرانيا الانضمام "للناتو"، ويمكن لها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وترفع بموجب الاتفاقية جميع العقوبات الاقتصادية عن روسيا. وستحصل الولايات المتحدة على امتيازات هائلة تتعلق بالاستحواذ على المعادن الأوكرانية بموجب اتفاق مع الدولة الأوكرانية.
تبرز الإشكالية في الضمانات الأمنية التي ستقدم إلى أوكرانيا ومن سيقدم هذه الضمانات، ودور الولايات المتحدة في ذلك. إضافة إلى نوع وطبيعة تلك الضمانات وهل سيكون هناك تواجد عسكري أمريكي مباشر داخل الأراضي الأوكرانية، حيث تطالب أوكرانيا بترتيبات تشبه تلك الموجودة في كوريا الجنوبية أو اليابان أو الكيان الصهيوني.
الموقف الأوروبي والعجز الأمني والعسكري
يتسم الموقف الأوروبي بالإحراج والهوان والعجز وضعف المبادرة، وتظهر أكثر عملية التبعية للسياسة الأمريكية، فالأوروبيون ينطلقون من الرؤية الأمنية والعسكرية لمقاربة أي اتفاق روسي-أوكراني وهم لا يملكون القدرات العسكرية التي تسمح لهم بفرض وقائع عسكرية تكون حاسمة في مجرى الصراع، وتشير الأرقام أن الولايات المتحدة وحدها قدمت نصف المساعدات العسكرية لأوكرانيا. في الواقع، أن تجميد تلك المساعدات، كما أعلنت الولايات المتحدة، سيكون له تداعيات مباشرة على مجريات الحرب خلال أشهر قليلة لصالح روسيا. من الواضح أن العجز الأوروبي عن تأمين الحماية الأمنية للقارة في مواجهة روسيا، والاتكال على القوة الأمريكية عبر القواعد العسكرية الأمريكية، ومنظومات الصواريخ والغطاء النووي الذي يؤمنه الناتو حول القارة العجوز وفي ضوء السياسة "الترامبية" الجديدة الأمنية والعسكرية دفع الدول الأوروبية إلى ضرور البحث عن أدوات ذاتية تشكل بدائل أمنية وعسكرية عن الحماية الأمريكية خاصة أن الأوروبيين يخشون بشكل فعلي السياسة الأمنية والعسكرية للرئيس المرتبطة بالثوابت الاستراتيجية القائمة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. في الحقيقة، تنطلق أوروبا من رفضها لمبادرة الرئيس ترامب من اعتبارات تتعلق بالقدرات الروسية التي ستحافظ على السيطرة على 20% من شرق أوكرانيا وتشير التقديرات الأوروبية أن روسيا يمكن لها أن تشن حرباً أخرى عام 2030. وفي هذه الحال ستتمكن من السيطرة النهائية على كامل شرق أوكرانيا وبالتالي إخضاع أوروبا للتفوق الأمني والعسكري الروسي.
روسيا واستعادة المبادرة
تعتبر مبادرة الرئيس "ترامب" لوقف الحرب بيت أوكرانيا وروسيا بجميع بنودها لمصلحة روسيا حيث أن القوات الروسية ستحتفظ بما يوازي 20% من مساحة أوكرانيا. وستنتشر قوات حفظ سلام أوروبية في المدن الأوكرانية وليس على خطوط المواجهة العسكرية التي يبلغ طولها 1000كلم. وهذه القوات لا تتبع للناتو كما تطالب أوكرانيا وستكون مهمتها أمنية-سياسية في المدن الكبرى وليس في الأماكن التي تعتبرها روسيا جزءا من أراضيها التاريخية. أي أن روسيا ستحتفظ بكامل شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، وستحتفظ بمنطقة "لوغانسك" ومعظم مقاطعة "دونتسيك" بالإضافة إلى قسم كبير من أراضي "زابوروجيا" و"خيرسون".
وسيشكل الاتفاق فرصة لروسيا من أجل إعادة بناء اقتصادها وتثبيت وتعزيز قوتها الأوروبية ويؤكد على أن الترتيبات الأمنية المستقبلية للقارة الأوروبية لا يمكن أن تتم بمعزل عن القوة الروسية والمحاولات الأوروبية ومن خلال إدارة الرئيس "جو بايدن" التي كانت تدفع روسيا لتصنيفها بالمعنى السياسي دولة آسيوية قد فشلت.
العجز الأوكراني في مواجهة الاتجاهات الدولية
يتسم الموقف الأوكراني بالضعف وعدم القدرة على التحكم بمجريات الأمور والأحداث، والجدال الذي حصل في البيت الأبيض بين الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" والرئيس الأمريكي ونائبه لن يؤثر في المجريات الجديدة لمسار التسوية. من الواضح، أن الرئيس "زيلينسكي" تصرف بشيء من "الشعبوية" وكان يعبر عن امتعاض أوروبي من طرح الرئيس الأمريكي من حيث الشكل والمضمون، و وكل ذلك لن يفيد في كسر الاتجاه الأمريكي الاستراتيجي في وقف الحرب. من الواضح، أن أوكرانيا لا يمكن لها أن تستمر في الحرب من دون الدعم الغربي والأمريكي خصوصاً وهو ما يدركه جيداً الرئيس "زيلينسكي" الذي عاد وأطلق سلسة من التصريحات تطلب ود الرئيس ترامب وتعبر عن استعداده للقبول بتوقيع اتفاقية سلام سريعة بالإضافة إلى رغبته بتوقيع اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة. والأمر الأكيد أن أوكرانيا كما كانت في وقت الحرب تحتاج الدعم الأوروبي والأمريكي لمواجهة روسيا هي كذلك بحاجة إلى نفس الدعم لحماية أراضيها أو الجزء المتبقي منها.
استنتاج
السياسة الدولية التي يتبعها الرئيس ترامب تدفع نحو بناء نظام دولي جديد ومن نفس المنطقة التي أسست للنظام الدولي السابق ووجدت ثنائية الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية حيث السيطرة على أوكرانيا دفعت الاتحاد السوفياتي إلى السيطرة والتحكم بالبر الأوراسي. تشكل الرؤية "الترامبية" للعالم مفهوماً جديداً لفكرة الهيمنة يعيد صياغة الصراعات القائمة وفق أسس ومفاهيم تتضمن عناصر اقتصادية وتكنولوجية تتفوق على العقل التقليدي للصراع الدولي. التسوية الأوكرانية الروسية ستقود في طبيعتها إلى تسوية تشمل مناطق وملفات تشكل توتراً دولياً ومساحة اشتباك بين روسيا والولايات المتحدة تشمل بطبيعتها القوقاز وآسيا الوسطى ومن ضمنها الملف النووي الإيراني.