كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
الصّيام ليس مجرّد الامتناع عن الطّعام والشّراب بل هو فرصة لإعادة الاتّصال بالنّفس والجسد والروح. إنّه استراحةٌ متجدّدةٌ من ضوضاء الحياة اليوميّة، حيث يُصبح رحلةً داخليّة لتعزيز الانضباط الذاتي والتقرّب من الله. وفي عالمٍ مليء بالتحدّيات والضغوط، يُتيح الصّيام للإنسان فرصةَ "إعادة ضبط نفسه" وتحقيق نوعٍ من التّوازن بين الجسد والعقل. ويُمكن أن نعتبره أيضًا وقتًا لاستكشاف مفهوم "الفراغ الإيجابي"، حيث ينشغل الصّائم في التّفكير والتأمّل، ما يُعزّز من قيمه الروحيّة ويُساعده على اكتشاف ذاته بعيدًا عن الماديات.
هذا العام، نشهدُ تزامنًا مميّزًا في فتراتِ الصّيام بين المسلمين والمسيحيّين، حيث يتقاطع شهر رمضان مع فترة الصّوم الكبير لدى الطوائف المسيحيّة. ورغم اختلاف الطّقوس والتّوقيت، يتشارك المؤمنون في هذه الفترات الروحيّة، في تطهير النّفس وتعميق العلاقة مع الله. وتعكس هذه اللحظات المُشتركة روح التآخي والتفاهم بين الأديان وتفتح بابًا للتّعاون والتّضامن في سبيل نشر القيم الإنسانيّة والتّعايش السلمي.
وعندما يمتنع الصّائم عن تناول الطعام والشّراب لفتراتٍ مُحدّدة، يتأثّر كلٌّ من الجسم والعقل بشكلٍ عميق، فالصّيام فرصة لتعزيز الصحة الجسديّة والعقليّة. هذا ما تؤكّده الأبحاث الحديثة، التي تتضمّن أنّ الصّيام يُساعد في تحسين وظائف الجهاز الهضمي، تقليل الالتهابات، وتنظيم مستويات السّكر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، يمنحُ الجسم فترةً للرّاحة والتّجديد، ما يُعزّز من قدرة الأنسجة على إصلاح نفسها. ولكن لتحقيق الفوائد الصحيّة، من المهمّ تناول الطّعام بشكلٍ متوازن مع التّركيز على الأطعمة الصحيّة الغنيّة بالفيتامينات والمعادن.
هنا، تُفسّر أخصائيّة التغذية المتخصّصة بالتغذية الحدسيّة ميرا عبد ربّه، العلاقة بين الصّيام والصحّة، وكيف يُمكن للطّعام الصحّي أن يجعل هذه التّجربة أكثر فائدة للجسم والعقل. وتُشير في حديثٍ لموقع "الأفضل نيوز"، إلى "وجوب شرب كمياتٍ كافيةٍ من الماء خلال ساعات الإفطار لأنّها تُحافظ على رطوبة الجسم، كما يُفضّل أن نأكل على دفعاتٍ عدّة أي تقسيم الوجبة الواحدة إلى وجباتٍ صغيرة وهذا ما نُسمّيه "امتصاص الجوع" كي لا نضايق الجسم".
وتُضيف عبد ربّه: "على الإفطار، يُنصح بالبدء بالتمر مع الماء أو اللبن، ثمّ الحساء مع سلطة ومقبّلات ثمّ استراحة لمدّة ربع ساعة وبعدها تناول الطّبق الأساسي. أمّا بالنّسبة للطوائف المسيحيّة لمَن يصوم حتّى الساعة 12 ظهرًا، فيُنصح بتناول وجبةٍ صغيرة لتهيئة الجهاز الهضمي قبل الطّعام، ثمّ بعدها بقليل يُمكن تناول الوجبة الكاملة أو تقسيم وجبة الغداء إلى وجبتين".
وإلى جانب الطّعام، هناك مشروبات مُفيدة لا بدّ من تسليط الضّوء عليها، خصوصاً خلال شهر الصّيام، إذ تُشدّد الاختصاصيّة على أنّ "اليانسون المغلي مثلًا يُساعد في عمليّة الهضم ويُخفّف من النّفخة".
ماذا عن ممارسة الرياضة؟ هل هي مُمكنة خلال شهر الصّيام؟ تُجيب عبد ربّه: "من الضّروري أن نعرف متى يجب ممارسة الرياضة"، موضحةً: "في ما يخصّ الصّيام المسيحي، يُمكن ممارسة الرياضة صباحًا ثمّ تناول الطّعام عند الساعة 12 ظهراً أو يُمكن ممارستها أيضاً في أيّ وقتٍ آخر من النهار. أمّا خلال رمضان، فيجب تجنّب ممارسة الرياضة صباحاً لتفادي الإرهاق. ويُفضّل اللجوء إلى التّمارين قبل ساعةٍ أو بعد ساعتين من الإفطار للتأكّد من هضم الطّعام. وخلال هذه الفترة يُمكن اختيار رياضاتٍ خفيفة، المهمّ أن نحرّك الجسم".
لا تنسوا البروتين! تقول عبد ربّه: "يُمكن التركيز على مصادر البروتين مثل البقوليّات مثل الفول والحمص والعدس، بالإضافة إلى الأسماك، والصويا وحليب الصويا والكينوا والمكسّرات، لمَن يصوم عن تناول الدّجاج واللحوم عند المسيحيّين. أمّا عند المسلمين، فيُنصح بأن تكون مائدة الإفطار غنيّة بمصادر البروتين مثل اللحوم والدّجاج والأسماك، ويُمكن الحصول على جرعة بروتين أيضاً خلال السّحور وتناول البيض أو الجبنة أو اللبنة".
وفي إطار السّعي لتحسين العلاقة بين الجسم والعقل والرّوح، تُسلّط عبد ربّه الضّوء على أهميّة التغذية الحدسيّة في هذا الإطار. وتقول: "التغذية الحدسيّة تُساهم في تحسين الصحّة لأنّها لا تضع قواعد صارمة بل تُعلّم الفرد فهم جسمه والتّواصل معه، فيُصبح الفرد قادراً على التفكير إذا كان يُريد أن يأكل أم لا، ومتى يرغب بذلك، وما هي كمية الطّعام التي يُريد أن يأكلها وماذا يريد من نوعيّة.. وهذا كلّه يؤدّي إلى راحة الجسم ويُساعد الشّخص على بلوغ الحريّة الغذائيّة والتوازن الغذائي بشكلٍ تلقائي". وتُضيف: "الشّخص الذي يتّبع التغذية الحدسيّة غالباً ما يكون سعيداً أكثر مع جسمه ونسبة الكولسترول لديه تكون منخفضة، كما أنّ فحوصات الدم تتحسّن من خلال اتباع هذا النوع من التغذية لأنّه يجمع بين تغذية الجسم وتغذية الروح. ويجب في الوقت ذاته، التركيز على السلوكيّات الصحيّة السليمة مثل ممارسة الرّياضة من دون التوقّف عند الأرقام والوزن لأنّ صحّتنا أولويّة".
أخيراً، تختم عبد ربّه بنصيحةٍ مهمّة مشدّدةً على ضرورة الانتباه من الإسراف في الأكل والتّركيز على المعنى الديني للصّيام... الطّعام موجود بشكلٍ دائم، فلا تأكلوا أكثر من حاجة أجسامكم بل حافظوا عليها وعلى صحّتكم ونشاطكم خلال هذه الفترة".