د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيو
بوحشية قلّ نظيرها، استأنفت إسرائيل محرقتها في غزة بعد وقف لإطلاق النار استمر شهرين مع حماس، إلى حدّ أن قوات الاحتلال النازي، حولت القطاع (دون مبالغة) إلى مطحنة دموية فعلاً، تبتلع الرضيع والطفل والشاب والشيخ الكبير دون أن يهتز ضمير العالم الميت، والغارق في سباته العميق، عما يحصل في تلك البقعة الجغرافية من مذابح منذ 8 تشرين الثاني 2023.
والأسوأ، أن القادة الصهاينة الفاشيين، السياسيين منهم والعسكريين، يدرسون خططًا لشنّ حملة برية جديدة قد تشمل احتلالًا عسكريًا للقطاع بأسره لعدة أشهر أو أكثر.
التكتيكات الإسرائيلية الجديدة في غزة
نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين وأشخاص مطلعين على المخططات الإسرائيلية، أن التكتيكات الجديدة (والأكثر عدوانية) التي قد تلجأ إليها تل أبيب في الأيام المقبلة، ستشمل السيطرة العسكرية المباشرة على المساعدات الإنسانية، واستهداف المزيد من القيادات المدنية لحماس، إضافة إلى إجلاء النساء والأطفال وغير المقاتلين الذين تم التحقق منهم — من الأحياء في القطاع — إلى أماكن محمية، مع فرض حصار على أولئك الذين يصرون على البقاء في أرضهم.
ما تجدر معرفته هنا، أن الخطط الإسرائيلية تجاه القطاع، ستشكل تحولًا عن الاستراتيجيات العسكرية السابقة، خصوصًا وأن القوات الإسرائيلية كانت حذرة تاريخيًا من التورط في غزة بسبب التحديات وتعقيدات مثل هذا الصراع الطويل.
فالهجوم الكامل واحتلال غزة، يتطلب موارد عسكرية كبيرة وجنودًا كثيرين، لكن مع ذلك، يجادل بعض المسؤولين بأن حملة عسكرية كبيرة فقط يمكن أن تحقق هدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القضاء تمامًا على حماس. كما أن المسؤولين الصهاينة يقولون إنهم لا يزالون ينتظرون نتائج محادثات وقف إطلاق النار، وأنه لم يتم اتخاذ قرارات بشأن ما إذا كان سيتم تصعيد المرحلة الحالية من الهجوم، التي اقتصرت حتى الآن على القصف الجوي في الغالب.
وتعقيبًا على ذلك، قال أمير أفيفي، نائب قائد قسم غزة في الجيش الإسرائيلي السابق، إن "الحملة العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة العام الماضي كانت محدودة بسبب الخلافات بين القادة السياسيين والعسكريين حول التكتيك والاستراتيجية، فضلاً عن اهتمامات إدارة بايدن بشأن الأضرار التي قد تلحق بالمدنيين الفلسطينيين" وأضاف "لكن مع وصول إدارة ترامب في الولايات المتحدة والتغيرات في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية، تم تخفيف تلك القيود".
وتابع أفيفي: "الآن هناك قيادة جديدة للجيش الإسرائيلي، وكذلك دعم من الولايات المتحدة، فلدينا ما يكفي من الذخيرة، وحقيقة أننا أنهينا مهامنا الرئيسية في الشمال ويمكننا التركيز على غزة. الخطط حاسمة. سيكون هناك هجوم كامل ولن يتوقفوا حتى يتم القضاء على حماس بالكامل... سنرى."
وهل يمكن القضاء على حماس?
تزعم إسرائيل أنها دمرت تقريبًا جميع كتائب حماس الـ24 المقاتلة، باستثناء بضع آلاف من المقاتلين في غزة الذين بقوا أحياء، وبالتالي يرى قادة تل أبيب أنه من أجل القضاء تمامًا على البقية، يتوجب على إسرائيل احتلال الأراضي — وهو ما يحذر منه بعض الضباط والمحللين كون ذلك يحمل مخاطر كبيرة على إسرائيل.
وتعليقًا على ذلك، قال ساشا-دومينيك دوف باخمان، خبير في الحروب من جامعة كانبيرا: "إذا نظرتم إلى الفرنسيين في الجزائر، وعمليتي (احتلال العراق وأفغانستان)، فإن تاريخ محاولات مكافحة التمرد يعلمنا أنه حتى الإسرائيليين سيفشلون". ويضيف "سيقوض ذلك الأساس الأخلاقي والروحي لإسرائيل".
بالمقابل، يعتبر مؤيدو عملية أكثر دموية ووحشية وطولًا في غزة، أن الحملة العام الماضي أسفرت فقط عن ظهور حماس مجددًا من أنفاقها بزي موحد في يناير الماضي، وأن الظروف السياسية الآن ناضجة لتكثيف الضغط العسكري واحتلال غزة إذا لزم الأمر.
إسرائيل واستغلال الدعم الأمريكي لاحتلال غزة
فور جلوس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على كرسي البيت الأبيض، أطلق الأخير العنان لدعمه غير المحدود لإسرائيل، وأطاح بكافة المحظورات التي كانت وضعتها إدارة بايدن فيما يخص المساعدات العسكرية للكيان الغاصب. إذ سمح برفع الحظر عن شحنة قنابل زنة 2000 رطل إلى الاحتلال، كانت جمدتها إدارة بايدن ما لم تسمح تل أبيب بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة وتبذل جهودًا إضافية لمنع وقوع إصابات بين المدنيين. والأكثر إثارة هو ما كشفه مسؤولون صهاينة بأن إسرائيل تشاورت مع إدارة ترامب قبل قطع جميع المساعدات عن غزة في وقت سابق من هذا الشهر.
إلى جانب ذلك، ساهم التغيير في القيادة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ومنح إسرائيل كاتس منصب وزير الدفاع، وإيال زامير رئاسة الأركان، بالخلاص من الخلافات التي كانت تنشب بين المسؤولين الذين كانوا يتصادمون أحيانًا مع نتنياهو.
فالعام الماضي طلب نتنياهو من جيش الاحتلال النظر في تولي مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية في غزة لمنع حماس من الاستفادة منها، غير أن وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش هرتس هاليفي، عارضوا الفكرة، بحجة أنها ستعرض الجنود لمخاطر غير ضرورية وتُعدّ توسعًا في مهام قوات الاحتلال وفقًا لمسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين.
ليس هذا فحسب، فمن نقاط الخلاف الأخرى: تفضيل غالانت وهاليفي ضرب القدرات العسكرية لحماس، بينما أراد نتنياهو أيضًا استهداف المسؤولين المدنيين في حماس، الذين يهيمنون على المناصب الحكومية في القطاع.
ولهذه الغاية، اعتمدت إسرائيل الأسبوع الماضي، نهجًا جديدًا، حيث شنّت غارات جوية شبّهها كاتس، خليفة غالانت، بـ"فتح أبواب الجحيم"، لا سيما أنها قتلت في يوم واحد أكثر من 400 شخص. واللافت أن هذا العدوان لم يستهدف فقط أعضاء الجناح المسلح لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، بل أيضًا المدير العام لوزارة الداخلية في غزة، والمدير العام لوزارة العدل، وأعضاء المكتب السياسي لحماس أثناء تجمعهم في منازلهم لتناول وجبات السحور قبل صيام شهر رمضان.
أكثر من ذلك، هدد كاتس ليس فقط باحتلال أراضي غزة مؤقتًا، بل بضمها أيضًا، إذا لم تقدم حماس تنازلات بشأن الرهائن. وقال كاتس في بيان: "كلما أصرت حماس على رفضها، خسرت المزيد من الأراضي، والتي سيتم ضمها إلى إسرائيل".
في المحصلة:
للأسف ما ينتظر غزة، هو المزيد من القتل وعمليات الإبادة الجماعية والتهجير القسري، وهو ما أشار إليه يوسي كوبرفاسر، المسؤول السابق في استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي ورئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن الذي قال: "تراجعت المعارضة الآن لدى زامير وكاتس. إنهما أكثر استعدادًا" لنهج أكثر عدوانية".