د. رائد المصري - خاصّ الأفضل نيوز
يوفر العدو الإسرائيلي كل المؤشرات الممكنة، والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، في اعتماد الخيار العسكري الذي بات على الطاولة بين واشنطن وتل أبيب، للتعامل مع إيران، اللَّتين تريان في برنامج طهران النووي، تهديداً وجودياً لا يمكن التهاون به، في استعانة واضحة بحسب ما تؤكده المصادر العسكرية الإسرائيلية، بأن الخطط لشن ضربة جوية على منشآت إيران النووية، جاهزة ويتم تحديثها على الدوام.
إذن، تدخل الأزمة المستمرة والمراوحة بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي، مرحلة الخطورة الحقيقية، مع احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية، قد تكون مفتوحة بين الطرفين، مع ارتفاع نبرة التهديدات العسكرية، والخوف من تكلفة اندلاع حرب شاملة، قد تجرُّ المنطقة في الشرق الأوسط إلى صراع مدمّر وطاحن، رغم مبادرات واشنطن، ورسالة ترامب مؤخراً إلى المرشد الإيراني علي الخامنئي، فلا زالت طهران ترفض الحوار تحت سقف الشروط الأميركية، من دون إقفال الباب حول إمكانية البدء بالتفاوض، فيما أكّدت رسالة ترامب التي كشفت تفاصيلها، من أنه لا يرغب في مواجهة عسكرية، بل يسعى إلى اتّفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وبرغم أنها رسالة ديبلوماسية، فهي تضمنت تحذيرات واضحة من استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي، والذي قد يقوِّض كل الجهود المعمول بها إلى مواجهة عسكرية محتومة، وهو ما اعتبرته طهران محاولة تضليل للرأي العام العالمي، في إظهار إيران بأنها رافضة للسلام.
وبحسب معلومات من مصادر دبلوماسية أميركية حصلت عليها "الأفضل نيوز"، فإن الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف، قد كشف بأن بلاده، والرئيس ترامب يحاولون بناء الثقة مع إيران، لتجنب صراع مسلح، وبأن الرئيس رجل يسعى للسلام، ولا يجد أن هناك سبباً للحل العسكري، إذا ما دخل في حوار بناء، حيث أن إدارة ترامب لا تزال تفعِّل قنواتها الخلفية مع طهران من خلال وساطات إقليمية ودولية لتجنب الصراع، ورفض طهران للتفاوض قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات صعبة، على الرغم من التوترات التي شهدتها العلاقات بين الطرفين لعقود سَلفت، فإن واشنطن امتنعت عن شن ضربات عسكرية على إيران، إذ إنَّ تجنب الخيار العسكري، يكمن في الخوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة، بالإضافة إلى أن هناك صعوبة في استهداف المنشآت النووية الإيرانية، الموزعة على مواقع كبيرة ومحصنة بشكل قوي، ناهيك عن القلق الغربي على أمن القوات الأميركية في المنطقة، واستقرار أسواق الطاقة في النفط والغاز حول العالم.
فالمشهد اليوم يتغيَّر سريعاً، ولا أرضيّة مشتركة للتواصل بين إيران وأميركا، فطهران مستمرة بدعم حلفائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وفي ظلّ التصعيد الأخير، ترى واشنطن أنّ طهران باتت أكثر جرأة، في حين تعتبر طهران أنّ الولايات المتحدة مشتّتة بأزماتها العالمية الأخرى، ليدخل على خط التصعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً، بتصريحه بأن لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ورغم التحدّيات اللوجستية التي قد تواجه تل أبيب في استهداف المنشآت الإيرانية المحصّنة، فإنّ قادة إسرائيل يؤكّدون أنّهم مستعدّون للتحرّك منفردين إذا لزم الأمر، قابلته تصريحات لقادة الحرس الثوري الإيراني، التي وعدت بالرد على أيّ عدوان عسكري بإغلاق مضيق هرمز، واستهداف القواعد الأميركية في الخليج، بالإضافة إلى استهداف المصالح الأميركية والإسرائيلية.
ستكون الأسابيع المقبلة كفيلة في إيضاح صوة المشهد المتأزم، فإمّا تُثمر الجهود الدبلوماسية اتّفاقاً، يتوقف فيه الانزلاق نحو الحرب الهاوية، أو يشهد الشرق الأوسط فصلاً جديداً من النزاعات المسلّحة، قد يكون الأعنف منذ عقود، بسبب انعدام الثقة بين الطرفين، وهو ما يُبقي شبح الحرب مخيّماً على المشهد، لأن ترامب يرى الاتّفاق النووي لعام 2015، كان فاشلاً وضعيفاً، ويريد اتّفاقاً جديداً بشروط أكثر تشدّداً، فالسلام بنظره، هو انتصار تاريخي وليس نهايةً لصراع وحسب، لا يريد أن يكون الرئيس الذي أصبحت إيران دولة نووية عسكرية أثناء ولايته، بالإضافة لذلك يعتبر ترامب أن التصعيد هو أداة تفاوض بحدِّ ذاتها، ليرفع السقف ويزيد التهديد، حتى يجبر إيران على التفاوض بشروطه، إلاَّ أن ذلك دونه مخاطر، إذ إن هذا الأسلوب يحمل دائماً خطر سوء الفهم والتصعيد غير المحسوب، خصوصاً إذا رفضت إيران الرضوخ واستمرّت بالاستراتيجيات التقليدية القائمة على عامل الوقت.
لذلك نشطت دبلوماسية في عدد من دول الخليج لتجنّب الحرب، كونها الدول الأكثر تأثّراً وضرراً بحال اندلاع مواجهة واسعة بين طهران والولايات المتحدة وإسرائيل، مع العلم أن شخصية ترامب ستلعب دوراً كبيراً في تحديد مستقبل النزاع، فهو يميل إلى السلام مع إيران، بشريطة أن يحقّق له مكاسب سياسية وشخصية، ولا يريد حرباً شاملة، لكنّه مستعدّ لاستخدام القوّة إذا رأى أنّ ذلك سيطوِّع طهران، ويجبرها على الرضوخ إلى طاولة المفاوضات بالشروط الأميركية، وهنا يبقى السلام وسيلة لتحقيق هدف استراتيجي.
أخيراً، يرى المراقبون أنه إذا نجح الرئيس ترامب في تقديم ورقة إنهاء الحرب الأوكرانية لموسكو، وفي تقديم ورقة تجنّب الحرب التايوانية لبكين، فسيجد نفسه قادراً على تطويع إيران النووية، وقادراً على تجميع دول المنطقة تحت المظلّة الاستراتيجية الأميركية، وبالتالي على التصرّف بحرّيّة مطلقة في الشرق الأوسط، فقضيّة الشرق الأوسط لم تعد قضيّة إقليمية فقط، بل أصبحت جزءاً من لعبة الصراع الدولي، وفي هذه اللُّعبة اليد الطولى لا يجب أن تكون للولايات المتحدة، التي تتماهى مع إسرائيل وكأنّهما واحد، في مشروع سياسي واقتصادي وأمني واحد.