ليديا أبو درغم - خاصّ الأفضل نيوز
بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب في أوكرانيا، ووسط تصاعد المخاوف من استخدام الولايات المتحدة للغاز الطبيعي المُسال، كورقة ضغط في ملفات التجارة والسياسة، لا سيما في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية، التي زعزعت العلاقات مع أوروبا والتي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، ولجأت إلى الطاقة كورقة مساومة في المفاوضات التجارية، تتجه أوروبا نحو إعادة النظر في موقفها من الغاز الروسي.
ففي الوقت الذي يسود فيه التوتر الجيوسياسي والضبابية بشأن مستقبل إمدادات الطاقة، بدأ مسؤولون تنفيذيون في شركات أوروبية كبرى، من بينها "إنجي" و"توتال إنرجيز"، الحديث علنًا عن احتمال العودة لاستيراد كميات من الغاز الروسي، بما فيها شركة "غازبروم"، في تحول يُعتبر خرقًا ضمنيًا لتعهّد الاتحاد الأوروبي بإنهاء اعتماده الكامل على الطاقة الروسية بحلول 2027.
فحرب الرسوم الجمركية عزّزت قلق أوروبا بشأن الاعتماد على الغاز الأميركي، الذي أصبح أداة جيوسياسية قد تعمد واشنطن إلى اعتمادها حفاظاً على اقتصادها، وهو ما يحذّر منه مراقبون من أن الغاز الأميركي قد يتحوّل إلى "أداة مساومة" في يد واشنطن، التي تلعب دوراً محورياً في قرارات الطاقة الأوروبية، لا سيما مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية: فمن ناحية، تريد واشنطن من أوروبا شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وهو ما سيحدث بشكل طبيعي إذا ظل الغاز الروسي محدودًا. ولكن إذا استؤنفت إمدادات الغاز الروسي بالكامل، فقد تنهار الأسعار العالمية، ما يجعل إنتاج الغاز الأميركي غير مربح.
ومن ناحية أخرى، يسعى ترامب إلى ترسيخ صورته كصانع صفقات عالمي، وقد يكون تأمين اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، ربما يشمل استئنافًا جزئيًّا لإمدادات الغاز الروسي، خطوة استراتيجية له. ومثل هذا الاتفاق قد يعزز سمعته الدولية.
لا تزال أوروبا في مأزق بين المطرقة الروسية والكماشة الأميركية، التي ستواجه صعوبة في اتخاذ قرار مستقبلي، بعد حرب أوكرانيا، بين احتمال عودة استيراد الغاز الروسي، أو الاضطرار لاستيراد الغاز المسال الأميركي. ورغم توفر إمدادات غازية بديلة لأوروبا، تبقى البدائل الأخرى محدودة نسبياً مقارنة بضخامة الإمدادات الروسية أو الأميركية المتوفرة حالياً مع بنيتها الجاهزة للتصدير، ووفقاً للاعتبارات الجيوسياسية والأمنية التي قد تجعل خيار إعادة النظر في استيراد الغاز الروسي مثيراً للجدل. والأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كان منطق الاقتصاد سيتغلب على حسابات السياسة، حيث ستكون أوروبا في وضع لا تُحسد عليه بين واشنطن وموسكو، سياسياً واقتصادياً.