د.أكرم حمدان- خاص "الأفضل نيوز"
من تابع ويتابع المناقشات التي جرت خلال الأيام الماضية، ولا سيما جلسة مجلس النواب التي بحثت في تعديل قانون الانتخابات البلدية وموضوع المناصفة في بلدية بيروت، يكتشف ويعلم بأن ما جرى ويجري في الكواليس وفي الغرف المغلقة وحتى في العلن، يصح توصيفه بأنه "حفلة تكاذب وطني" بامتياز، إذ أن الجميع تقريباً، إلا قلة قليلة، كشر عن أنيابه الطائفية والمذهبية التي تنخر الجميع حتى النخاع، ما دفع ضابط الإيقاع ومايسترو الجلسة بحنكته المعهودة، الرئيس نبيه بري، إلى التدخل الحاسم والجازم لمنع تدحرج الأمور نحو مسارات لا تحمد عقباها.
لقد جاء كلام بري في مستهل الجلسة وخلالها عندما قال: "الموضوع الطائفي والمذهبي المسيطر على البلد مش نبيه بري ولا أنتو بيمرقوا"، ليضع مجلس النواب أمام مسؤولياته، وكرر خلال الجلسة بأن المجلس والقوى السياسية هي المسؤولة عن إيجاد الحل لموضوع حماية المناصفة في بلدية بيروت، وترك الباب مفتوحاً عندما أمهل الجميع من أجل تأمين التوافق على مجلس بلدية بيروت، وإلا فإنه سيدعو إلى جلسة نيابية للمعالجة تشريعياً.
هذه الوقائع وما رافقها من مناقشات، رفعت الصوت عالياً بين صلاحيات مجلس بلدية بيروت والمحافظ من جهة، والطرح بصوت لا لبس فيها، حول تأمين المناصفة والتوازن في بلديات أخرى مثل مدينة زحلة ومدينة طرابلس وغيرها من المدن والبلدات الكبرى ذات الغالبية من لون طائفي أو مذهبي معين يطغى على بقية الطوائف والمذاهب، يؤكد مقولة وتوصيف "التكاذب الوطني"، بدلاً من العبارات والشعارات المنمقة التي تتحدث عن التعايش والعيش المشترك وخلافه.
إن هذه الأجواء تطرح واقعاً وحقيقة واحدة، هي أن غالبية القوى السياسية والحزبية الطائفية ترفع شعارات وتُمارس عكسها تماماً وأن المطلوب هو البحث في لب الموضوع وليس في شكله إنطلاقاً من جملة أسئلة أو تساؤلات وهي:
من كلف وعين هذه الأحزاب والقوى محامياً أو مدافعًا عن حقوق الطوائف والمذاهب؟ وهل المجالس البلدية هي التي ستحمي وجود الطوائف والمذاهب أم أنها أصلاً هي من أجل تنمية المدن والبلدات والقرى؟ وماذا يعني المواطن مذهب أو طائفة هذا المجلس البلدي أو ذاك العضو إذا كانت البلدية تقدم له الخدمات المطلوبة؟ وماذا يقول الدستور والقانون في هذا المجال ولماذا التكاذب والنحيب على تطبيق دستور الطائف الذي تحدث عن المناصفة في وظائف الفئة الأولى حصراً؟
هذا غيض من فيض التساؤلات، بينما المطلوب هو البحث الجدي في تحديث وتطوير قانون الانتخابات البلدية وحتى النيابية من أجل إنتاج مجالس تهتم بالتنمية المحلية بمعزل عن حفلة "التكاذب الوطني" التي تُمارس لأن ما يريده المواطن هو تأمين الخدمات والتنمية ولا تعنيه طائفة أو مذهب أعضاء المجالس البلدية.
عسى أن نصل يوماً إلى هذا المستوى من التفكير والممارسة لكي نصبح فعلًا في وطن وليس في مجموعة أوطان أو طوائف أو مذاهب.

alafdal-news
