عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
عادت السعودية إلى لبنان من خلال عدة بوابات، سياسية وأمنية، فيما يؤكد المقربون منها أنها بصدد العودة سياحياً واستثمارياً أيضاً. الحال نفسه بالنسبة إلى سوريا، إذ دشنت عودة أمنية وهي في وارد المضي في خطوات العودة السياسية.
بالنسبة إلى العودة في لبنان، فإنه بات محسوماً ربطاً بوعدٍ تلقاه أعلى الهرم السياسي في لبنان. بناءً على ذلك، وفي خطوة تعكس هذا التوجه، استضافت مدينة جدة السعودية فعاليات "القمة الأمنية الاستثنائية بين لبنان وسوريا على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولين أمنيين أواخر الشهر الماضي، التي كان من المقرر عقدها في دمشق. من الواضح أن الرياض فرضت نفسها عاملاً مساعداً في كلا البلدين، بتأييد كبير من جانبها، كما أن الرياض، وعبر وزير الدفاع خالد بد سلمان، كرست نفسها راعياً لـ"اتفاق النوايا" الذي أبرم بين الجانبين، وعلى هذا الأساس كلّف الديوان الملكي مسؤول الملف اللبناني في الديوان الملكي، الأمير يزيد بن فرحان متابعة الفصول الباقية.
يشير مستوى التمثيل السعودي في الاجتماع إلى حجم أهمية اللقاء بالنسبة للرياض. فرغم أن الاجتماع كان مطلوباً بشكل عاجل من الجانبين اللبناني والسوري لمناقشة قضايا حيوية عالقة، مثل ترسيم الحدود البرية والبحرية وتنظيم العلاقة الأمنية في ظل النظام الجديد، فإن الاجتماع شمل أيضاً مسائل الأمن الإقليمي السعودي.
من المعلوم أن المملكة تعتبر أن المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا تحولت على مدار السنوات إلى بؤرة أمنية تستخدم في إنتاج المخدرات وتهريبها إلى الخليج، خصوصاً إلى أراضيها، حيث كان النظام السوري السابق قد رسخ هذه التجارة غير المشروعة. من هذا المنطلق، تعتبر الرياض أن التصدي لهذه الظاهرة جزءاً أساسياً من استراتيجيتها لضمان أمنها القومي ولا بد أن تتكامل بالتعاون مع البلدين المعنيين، لبنان وسوريا.
في البداية، كان من المقرر أن يعقد اللقاء في دمشق وفق جدول زمني محدد مسبقاً، لكن الجانب السوري طلب تأجيله عندما كان الوفد اللبناني يهم بالمغادرة. دفع هذا التطور السعودية التي كانت تراقب التفاصيل، إلى التدخل وطلب استضافة اللقاء على أراضيها، وهو ما قاد إلى تفسير التأجيل السوري على أنه رغبة في منح السعودية ورقة سياسية، في خطوة فسرها مراقبون بأنها تعكس رغبة الرئيس السوري للفترة الانتقالية، أحمد الشرع، في الحفاظ على علاقة متوازنة بين السعودية وتركيا.
ليس سرًّا أن التطورات الإقليمية وما خلفته نتائج الحرب في لبنان وسوريا قد كرست معادلة عادت بالفائدة على السعودية، وأعطاها هامشاً قوياً ترجم في التأثير برسم مشهد الانتخابات الرئاسية في لبنان. أما سوريا، فهي بدورها تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع المملكة في ظل الاتهامات التي تواجهها بأنها "تركية"، في وقت لا تزال الرياض تحتفظ بمناطق نفوذ داخل سوريا، خصوصاً في الجنوب حيث يدير أحمد العودة، المقرب من الإمارات والسعودية، تشكيلًا عسكرياً بارزاً.
من هذا المنطلق، تسعى السعودية إلى إنهاء الأزمة الأمنية التي تؤرقها في المناطق المتداخلة بين لبنان وسوريا، بعيداً عن حدودها. كما أن التطورات السياسية في سوريا قد تجعل هذا الملف الحدودي ورقة ضغط تستخدم ضد المملكة في أي وقت، حيث أن المنطقة المستهدفة في الاتفاق تمثل "عقدة ربط”"بين لبنان - ريف حمص - الجنوب السوري – الأردن - وأخيراً السعودية. وإذا وقعت هذه المنطقة تحت سيطرة قوى إقليمية مناوئة أو منافسة للرياض، قد تُستخدم كورقة ضدها.
أحد المخاوف الرئيسية التي تشغل السعودية، كما تلمّح مصادر دبلوماسية في بيروت، هو مساعي أنقرة لإبرام معاهدة دفاعية مع دمشق تتضمن إنشاء قواعد عسكرية، من بينها قاعدة مقترحة في منطقة تدمر بريف حمص. هذه المنطقة الاستراتيجية تقع عند التقاطع الحدودي مع لبنان، وهو ما يُعد مصدر قلق للمملكة. وتخشى تل أبيب أيضاً من هذه القاعدة المحتملة، إذ ستضع الحدود اللبنانية – السورية تحت النفوذ التركي، وليس بعيداً سيخلق "نواة اشتباك" مع إسرائيل التي باتت تعتبر أيضاً أن الحضور التركي في هذه المنطقة يمثل نقطة إزعاج لها، وسط مشاريع تركية ترغب في بناء قاعدة دفاع جوي هناك.
عملياً، ناقش اجتماع جدة آلية جديدة وواضحة لتنظيم العلاقة الأمنية بين البلدين، بهدف تجنب تكرار الاشتباكات والمعارك التي حدثت في المناطق الحدودية. كما تم الاتفاق على وضع إطار لترسيم الحدود البرية والبحرية، بوساطة وضمانة سعودية.
في بداية الجلسة، ساد توتر ملحوظ عندما أثار الوفد السوري برئاسة وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ملف حزب الله، وهو ما اعتبره الوفد اللبناني شأناً داخلياً لا يحق لسوريا التدخل فيه. وأصرّ الوفد السوري على أن حزب الله مسؤول عن التوترات الحدودية الأخيرة، مدعياً أن الحزب يخطط للتدخل في الشؤون السورية. لكن ردّ الوفد اللبناني، الذي تألف من وزير الدفاع ميشال منسى، المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، كان أن الاشتباكات الأخيرة وقعت بسبب دخول مسلحين من سوريا لسرقة الماشية، ما أدى إلى اشتباكات مع الأهالي في المنطقة ذات الطابع العشائري الدقيق. كما أشاروا إلى أن التوترات ناتجة عن قيام السلطات السورية الجديدة بطرد مواطنين لبنانيين يقيمون في قرى لبنانية تقع ضمن الحدود السورية منذ ما قبل ترسيم سايكس-بيكو. في هذا الوقت، قام الوفد السعودي، بقيادة الأمير خالد بن سلمان، بدور الوسيط ونجح في تهدئة الأجواء، وإدارة الحوار بشكل دقيق ومتوازن.
في النهاية، تم الاتفاق على إنشاء آلية تنسيق حدودية بين البلدين عبر تشكيل “لجان متابعة وتفاوض”، وإنشاء ثلاث مناطق اتصال على الحدود، يتمركز فيها الجيش السوري في ثلاث مناطق (شرقية، وسطى، وشمالية)، تقابلها تشكيلات من أفواج الحدود البرية في الجيش اللبناني. كما تم الاتفاق على نشر نقاط مراقبة وغرف عمليات مشتركة تضم عناصر من الجيش والأمن العام في المناطق الثلاث، مع رفع تقارير دورية إلى الوزارات المختصة.
أما في ملف ترسيم الحدود، فقد تم الاتفاق على وضع الإطار العام لترسيم الحدود البرية والبحرية، بما يشمل منطقة مزارع شبعا، التي يقول لبنان بأنها لبنانية ويملك خرائط جغرافية تثبت ذلك. وقد نص الاتفاق على تبادل الوثائق بين البلدين تحت إشراف سعودي، خلافاً لما تردد في بيروت عن تنازل لبنان عنها، علماً أن الوفد اللبناني ليس من صلاحياته تقديم تنازل بهذا الحجم.