محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
في الجنوب اللبناني، كما في معظم المناطق اللبنانية، تحوّلت خدمة الاتصالات والإنترنت إلى معضلة يومية يعيشها المواطنون، سواء عبر شبكات الهواتف الخلوية أو حتى من خلال خدمة الإنترنت المنزلي عبر شبكات الـ "واي فاي".
شكاوى السكان لا تتوقف، انقطاع الشبكة في ساعات النهار، تراجع سرعة الإنترنت إلى مستويات شبه معدومة في ساعات الذروة، وصعوبة الحصول على إشارة مستقرة حتى في المدن والبلدات الرئيسية.
بحسب مطلعين في قطاع الاتصالات، فإن الأضرار التي لحقت بمحطات البث خلال الحرب الأخيرة على الجنوب فاقمت أزمة مزمنة أصلاً. بعض المحطات خرجت نهائياً عن الخدمة بسبب القصف المباشر، فيما بقيت محطات أخرى معطلة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات. ورغم عودة جزء كبير من الشبكة إلى العمل بعد وقف العمليات العسكرية، إلا أن مناطق واسعة لا تزال تعاني غياباً كلياً أو جزئياً في التغطية.
إلى جانب الأضرار الميدانية، برزت مشكلة أخرى، بحسب المصادر، لا تقل خطورة، تتمثل في التشويش والتداخل على بعض ترددات الشبكات الخلوية، ما انعكس مباشرة على جودة الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف. ويشير الخبراء إلى أن هذا العامل يجعل أي استقرار في الخدمة هشاً، حتى بعد إصلاح الأعطال الميدانية.
لكن الأزمة ليست وليدة الحرب وحدها، إذ يعترف مطلعون بأن قطاع الاتصالات في لبنان يعاني منذ سنوات ضعفاً في الاستثمار بالبنية التحتية. فمشروع الألياف الضوئية الذي وُضع على الطاولة منذ أكثر من عقدين لم يُنجز بعد، وتوسعة الشبكات القائمة بقيت محدودة، هذا إلى جانب اعتماد القطاع على شركات مرتبطة مباشرة بوزارة الاتصالات، ما حدّ من المنافسة وسرّع تراجع الجودة مقابل ارتفاع الأكلاف على المستهلك.
خدمة الإنترنت عبر شبكة "أوجيرو" تعاني بدورها من اختناقات واضحة، إذ تتراجع السرعة بشكل كبير بعد ساعات المساء مع تزايد الضغط على الشبكة، فيما تشتكي بعض المناطق من بطء مزمن يحدّ من إمكانية العمل أو الدراسة عن بُعد. المواطنون يضطرون للجوء إلى باقات الهاتف الخلوي كحل بديل، لكن هذه الباقات مكلفة جداً وتعاني أصلاً من مشاكل الإشارة نفسها.
رغم وعود وزارة الاتصالات بوضع خطط طوارئ لتأمين الاستقرار في الخدمة، إلا أن التنفيذ بقي محدوداً. تم نقل مولدات إلى بعض المناطق وإصلاح بعض الأعطال الأساسية، لكن المطلعين يرون أن الأزمة تتجاوز الحلول الجزئية، وتحتاج إلى خطة تحديث شاملة للبنية التحتية، وتحرير القطاع من البيروقراطية التي تكبّله منذ سنوات.
بحسب المصادر، فإن أزمة الاتصالات ليست مجرد انقطاع تقني، بل انعكاس مباشر لأزمات لبنان المتعددة من البنية التحتية المهترئة، إلى الانقسام السياسي، مروراً بالأزمة المالية التي أوقفت الاستثمار وفرضت حلولاً ترقيعية قصيرة المدى، وحتى إشعار آخر، سيبقى المواطن في الجنوب، كما في غيره من المناطق اللبنانية، يعيش تحت رحمة إشارة ضعيفة وإنترنت بطيء.