محمد شمس الدين - خاصّ الأفضل نيوز
من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لا تعتزم منح لبنان أي هامش للمناورة أو حتى التنفّس، سواء في ملف سلاح “حزب الله” أو في سائر القضايا السيادية.
فالإصلاحات التي يقرّها لبنان، والخطابات الرسمية التي تتغنّى بحصر السلاح بيد الدولة، لم تعد تُقنع واشنطن أو تدفعها لإعادة النظر في موقفها المتشدّد. ووفق المعطيات، فإن الفترة الممتدة من الآن وحتى جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الثلاثاء – والتي يُتوقّع أن يكون بند “حصر السلاح” على رأس جدول أعمالها – قد تشهد مزيدًا من الضغوط السياسية والميدانية على بيروت، لدفعها نحو اتخاذ خطوات تنفيذية ملموسة في اتجاه نزع سلاح “حزب الله”.
في المقابل، يواصل الحزب تمسّكه برفض الإملاءات الخارجية، مؤكداً أنه لن يسلّم سلاحه من دون ضمانات صلبة تبدأ بوقف الاعتداءات الإسرائيلية ولا تنتهي بإعادة إعمار ما دمّرته الحرب.
الضوء الأخضر
مصادر دبلوماسية أميركية كشفت لموقع “الأفضل نيوز” أن الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل لا يزال قائمًا، ولن يُسحب في المدى المنظور. فالغارات الإسرائيلية على لبنان “عميقة”، ولا تواجه أي عقبة من الجانب الأميركي، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية. وتضيف المصادر أن واشنطن كانت قد خاضت دبلوماسية نشطة مع إيران لفترة زمنية محدودة، لكنها، مع انتهاء هذه المرحلة، سلّمت الملف بالكامل للطرف الإسرائيلي.
ووسط هذا المشهد، ترى واشنطن أن الوضع السياسي اللبناني لا يوحي بأي تغيير جذري. فهناك رئيس حكومة يُعتبر وسطياً، ورئيس مجلس نواب يُصنّف ضمن “خط تيار حزب الله”، في حين كان يُعوَّل على رئيس الجمهورية جوزاف عون للعب دور “الوزن المعادل” في ميزان القوى. لكن حتى اللحظة، لا يظهر أي تحرّك عملي أو خطة واضحة من قبل رئاسة الجمهورية لتحقيق ما ترفعه من شعارات، كحصرية السلاح بيد الدولة، وسط خطاب رسمي يكرّر العبارات ذاتها: “الوضع معقّد، المرحلة صعبة”، من دون أي نتائج ملموسة.
واشنطن تسأل: ماذا يريد الشعب اللبناني؟
وفق المصادر ذاتها، باتت واشنطن تطرح سؤالاً جوهرياً: ماذا يريد الشعب اللبناني؟ هل نزع سلاح الحزب بالقوة خيار واقعي؟ وهل هناك إرادة سياسية داخلية لتحقيق ذلك؟ فالإدارة الأميركية لم تعد تعوّل على الخطاب اللبناني الذي يلقي باللوم على إيران وتمويلها للحزب. تلك المرحلة انتهت، والسياسي الأميركي بدأ يفكّر في سؤال مغاير: “هل يمكن نزع سلاح حزب الله بطريقة سلمية؟ وما هو موقف الرئيس اللبناني الفعلي؟”.
وترى واشنطن أن العقوبات المقبلة – في حال فُرضت – لن تؤثّر على الطبقة السياسية بقدر ما ستطال المواطن اللبناني مباشرة. ولذلك، يعتبر بعض المسؤولين الأميركيين أن الضغط على “حزب الله” يجب أن يكون اقتصادياً ومالياً، من خلال استهداف مؤسساته التي ما زالت تتعامل مع المصارف اللبنانية، رغم امتلاكه أنظمة مالية خاصة، تعطّل كثير منها بعد الحرب الأخيرة.
أما من ناحية إسرائيل، فلا إنجازات عسكرية إضافية ممكنة من دون وجود ميداني على الأرض، وهو ما لا تريده تل أبيب حالياً، ما يعقّد المشهد أكثر. وتبقى الحسابات الأميركية مركّزة على مسألة واحدة: استخدام الأدوات السياسية والمالية لاختبار مدى تجاوب الدولة اللبنانية، لا سيما رئاسة الجمهورية، مع مطلب نزع السلاح.
موقف “الثنائي الشيعي”: لا تسليم دون وقف العدوان
في المقابل، أكّدت مصادر “الثنائي الشيعي” أن وزراء الكتلتين سيشاركون في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء، موضحة أن “حين يُحكى بأجواء المفاوضات وبأولويات الدولة، يكون موضوع سلاح المخيمات وسلاح حزب الله مطروحاً، لكن موقفنا واضح: وقف الأعمال الحربية الإسرائيلية أولاً، ومن ثم نناقش التفاصيل”.
وتلفت المصادر إلى أن تصريح رئيس الجمهورية حول الملف يُعتبر “مدروساً ومنسّقاً وذا طابع وطني”، مشدّدة على أن لا مشكلة لدى “الثنائي” بمناقشة هذا الملف من حيث المبدأ، لكن بشرط وقف النار الإسرائيلية.
وعن التهديد بحرب جديدة، رأت المصادر أن “وزير الحرب الإسرائيلي صرّح بضرورة أن تمنع الحكومة اللبنانية الحزب من خرق اتفاق وقف إطلاق النار”، مما يعني أن “إسرائيل لا تريد حرباً شاملة، بل تسعى إلى استمرار الوضع الراهن القائم على الاستنزاف والضغوط المتدرجة”.
المشهد اللبناني يزداد تأزماً
واشنطن تنفض يدها من أي حوار مفتوح وتدفع باتجاه الحسم، وإسرائيل تستكمل الضغط من الجو، فيما الحكومة اللبنانية تمضي في لعبة التوازنات المعقّدة. وفي هذا الوقت، يتحوّل ملف السلاح من بند حوار داخلي إلى مفصل اشتباك إقليمي، تتداخل فيه الحسابات الدولية مع الحسابات الأميركية والإسرائيلية.
في هذا الوقت، يقف المواطن اللبناني – مهما كان انتماؤه – حائرًا بين منطق الدولة ومنطق الواقع. فمن جهة، لا توجد دولة طبيعية تقبل بوجود جيشين على أرضها، ومن جهة أخرى، يجد لبنان نفسه محاصرًا بين أمواج الإقليم المتلاطمة: عدوٌّ إسرائيلي يترصّد في الجنوب، وحدود شمالية وشرقية مفتوحة على فوضى سوريا، حيث يمكن للإرهاب أن يتسلّل في أي لحظة، فيما لا يُستبعد أن تنجح إسرائيل في إشعال فتنة بين بيروت ودمشق. أما من فوق، فالعقوبات الأميركية تلوّح كالسيف فوق رقاب اللبنانيين، فيما يبقى ملف السلاح معلقًا من دون أفق للحل.
في ظل هذا المشهد المعقّد، لم يعد المواطن يعرف إلى أين يتجه. فقد أوكل أمره لزعماء أحزابه، مدفوعًا بشعور العجز أمام خيارات كلها مكلفة، وكلها تنذر بانهيارات إضافية. بات اللبناني يرمي المسؤولية عن كاهله، ويتركها لأطراف النزاع الداخلي، مهما كانت النتائج.