نبيه البرجي - خاص الأفضل نيوز
عشية القمة العربية ـ الإسلامية في الدوحة للبحث في الهجوم الإسرائيلي على قطر، آن الأوان لنخرج من توصيف المستشرق الأميركي لنا، كعرب، "كثبان رملية وتذروها الرياح أو تذروها الأزمنة"، ولنسأل أنفسنا: أين نحن، ومن نحن، أمام بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب؟ أما البلدان الإسلامية البعيدة، فلكلٍّ منها مشكلاته الجيوسياسية أو الجيوستراتيجية التي تحدد مواقفها حيال القضايا الشائكة في الشرق الأوسط، والتي تتعدى في أبعادها اللاهوتية والتاريخية أي قضايا أخرى في العصر الحديث.
اعتراضنا الأول على عنوان القمة "البحث في الهجوم الإسرائيلي على قطر"، كما لو أن الغارة الجوية أتت خارج السياق الذي تأخذه الهيستيريا الإسرائيلية في المنطقة.
ما نستشفه من الأبحاث التي ينشرها محلّلون وخبراء أميركيون قريبون من اللوبي اليهودي: التماهي الأيديولوجي والاستراتيجي بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية لتغيير الشرق الأوسط، ليس فقط لتغيير الخرائط أو لتغيير الأنظمة، وإنما لتغيير الشخصية التاريخية للمجتمعات العربية.
الإسرائيليون يرصدون ردات فعل العرب على المذابح اليومية، بأبعادها التراجيدية التي تفوق التصوّر. كالعادة، ردات الفعل تقتصر على التنديد والإدانة، دون أي خطوة عملانية توقف أو تحدّ من الجنون الإسرائيلي.
في هذه الحال، لا ردات فعل على "المهمة الروحية" لنتنياهو بإقامة "إسرائيل الكبرى"، من النيل إلى الفرات، على أنقاض دول عربية يفترض أن تزول من الوجود. والحال هذه: أي عالم عربي، وأي شرق أوسط؟
البداية من ترحيل سكان غزة، ثم سكان الضفة، ودون أن يكون الهدف فقط توسيع حدود الدولة العبرية، وكما وعد دونالد ترامب، وإنما تفجير الداخل المصري، والداخل الأردني، وربما أيضاً الداخل اللبناني، والداخل السوري، إذا ما أخذنا بالاعتبار تفسير بسلئيل سموتريتش للدولة اليهودية الخالية حتى من فلسطينيي "الخط الأخضر" الذين عليهم الانتقال إلى هذين البلدين.
من هنا التركيز على الجنوب اللبناني، وعلى الجنوب السوري، لتكون دبابات إيال زامير على أبواب بيروت، كما هي على أبواب دمشق. لكن الخيال التوراتي يذهب إلى أبعد من ذلك أيضاً؛ إذا ما استذكرنا قول الملياردير الأميركي وقطب وول ستريت جورج سوروس، منذ نحو عقدين، حول الشراكة العربية ـ الإسرائيلية في إدارة الثورة النفطية. قال أكثر من ذلك بكثير للمجلة اليهودية البريطانية "جويش كرونيكل".
غريب أن نتغاضى عن كل ذلك الكلام، وعن النيران التي تقترب من كل بيت عربي في المنطقة، فيما أثارت تساؤلات عاصفة لدى بعض النخب الأوروبية. المؤرِّخ والباحث الأنثروبولوجي الفرنسي إيمانويل تود سأل: "أي أوروبا إذا وضع الإسرائيليون اليد على الشرق الأوسط؟" أجل: أي شرق أوسط، وأي عالم، إذا ما لاحظنا مدى حساسية وخطورة هذه المنطقة في صراع الإمبراطوريات الذي أظهرت قمة بكين الأخيرة حتميته. حتى أن أحد معلقي قناة "فوكس نيوز" سأل: "هل علينا أن نبدأ بحفر الخنادق..؟"
إذًا، نحن أمام الثنائي ترامب ـ نتنياهو، بنظرتهما الواحدة إلى مستقبل المنطقة، وكنا قد لاحظنا مدى المراوغة الأميركية، بل والنفاق الأميركي في تفسير تلكؤ أو تواطؤ ترامب في التعامل مع الضربة الإسرائيلية، وعلى أساس أن قتل القيادات المتبقية من حركة "حماس" يجعل المقاتلين على الأرض في غزة يرفعون الرايات البيضاء ويتقدمون قوافل المهاجرين إلى صحراء سيناء أو إلى الضفة الشرقية.
لاحظوا ذلك السيناريو الكوميدي لدونالد ترامب الذي أُحيط علماً مسبقاً بالغارة، لم يأمر الطائرات الإسرائيلية بالعودة، كما أمرها وهي في طريقها إلى إيران إبان حرب الـ12 يوماً في حزيران الفائت، كما لم يأمر القيادة المركزية على الأرض القطرية بالتصدي للهجوم، بل اتصل بالمسؤولين القطريين بعد 10 دقائق من تنفيذ الضربة التي، إذ صدمت دول مجلس التعاون، صدمت الكثيرين في العالم العربي وفي العالم. التواطؤ حين يكون غبياً إلى ذلك الحد...
الصورة باتت واضحة تماماً للقادة العرب الذين يقفون الآن أمام لحظة تاريخية. كيف لا يكونون يداً واحدة في مواجهة هولاكو القرن الذي من يدري إلى أين يمضي بشعاره "تغيير الشرق الأوسط" الذي لا يرى فيه دونالد ترامب سوى حالة عقارية، دون أي اكتراث لا بتاريخ العرب ولا بتراث العرب ولا حتى بإنسانية العرب. لا نريد أن نكون مثل الفيتناميين، ولا مثل الأفغان، ولا نستطيع أن نكون كذلك. ولكن ألا يمكننا أن نقف سياسياً في وجه ذلك الخطر الذي يتهدّد وجودنا جميعاً؟
ما دامت تركيا وإيران ستكونان في القمة، لماذا لا نعيد إلى الطاولة ذلك المشروع القاضي بإنشاء منظومة إقليمية، بأبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية، تضم الدول العربية إضافة إلى هاتين الدولتين، بعدما لاحظت المطربة الصوفية التونسية صوفيا صادق، في حديث إلى "مونتي كارلو"، التداخل بين تراثنا والتراث التركي والتراث الفارسي، داعية إلى إنشاء قوة حضارية وقوة استراتيجية تؤدي إلى دخول المنطقة في ثقافة القرن.
الهدف هو الوقوف في وجه أي قوة خارجية ما زالت ترفع شعار "ملء الفراغ في الشرق الأوسط" (مبدأ أيزنهاور عام 1957). المنظومة تلك هي القادرة على ملء الفراغ، لا كما يفعل الآخرون: ملء الفراغ بالفراغ، هذا مع اعتبار ما ينشر في معاهد البحث الغربية من أن الإسرائيليين يزدادون جنوحاً نحو أقصى اليمين، أي أنّ علينا أن نتوقع ما هو أسوأ وما هو أخطر.
القمة أمام الاختبار الكبير: إما البقاء في الثلاجة، حيث الموت البطيء للزمن العربي، أو الوقوف صفّاً واحداً في وجه من لا يتقن سوى صناعة الجثث. جثث العرب...