مفيد سرحال - خاص الأفضل نيوز
من سفر البطولة في بنت جبيل، المدينة المضمّخة بالنار والغار ودم الطفولة ودمع آلهة الحرية... الذي يُدرَّس في صفوف الأباة المولعين بالكرامة، وضريحًا يكفكف تراب وطن الأرز.
من سفر البطولة في بنت جبيل حيث صوت الحق لعلاعة، إلى سفر يشوع بن نون في التوراة الذي يُدرَّس في المدارس الإسرائيلية من الصف الرابع وحتى الصف الثامن، حول القتل الجماعي الذي اقترفه يشوع ضد سكان أريحا، وفيه:
((... خذوا المدينة واقضوا على كل من فيها بغير تفرقة بين رجل وامرأة وطفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف...)).
والحال بون شاسع بين المدرستين:
الأولى: مدرسة الحق القومي التي تنطلق من قدسية الكفاح لأجل حرية الأرض والإنسان.
والثانية: عنصرية إرهابية متأصّلة متغطرسة متعطّشة للدماء، تقتدي بزعيمها الأب الروحي للصهيونية تيودور هرتزل الذي يقول في كتابه الدولة اليهودية: «كل ما هو عاجز عن البقاء يمكن أن يُدمَّر وسوف يُدمَّر ويجب أن يُدمَّر. القوة تتقدّم على الحق، وكل ما يخصّ العلاقات بين الأمم هو مسألة قوة».
إن مجزرة بنت جبيل تضاف إلى سجل الصهاينة المكتوب بدم العرب، ولا سيما الفلسطينيين واللبنانيين، وغزة الشهيدة شاهدة على التغوّل الصهيوني وحرب الإبادة والقتل والترويع والتدمير والتجويع.
إنها إحدى تجليات الأيديولوجية الصهيونية الشوفينية والعنصرية.
قرى مدمَّرة في الجنوب هُجِّر أهلها، تنوف عن 30 قرية، وقتل يومي واستهدافات بلغت قرابة 380 شهيدًا ومئات الجرحى منذ اتفاق وقف العمليات الحربية، حيث التزمت المقاومة بمندرجات القرار الأممي وتركت للدولة اللبنانية هامش التحرك العملاني إلى جانب الخماسية وراعيها الأميركي. غير أن المنطق الصهيوني، المعزَّز (بأورتيغوس وبراك وليندسي غراهام)، يتسم دومًا بالنزعة العدوانية الاحتلالية وسياسة تفريغ جنوب الليطاني من الحياة، والرفض الكامل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية، تذرّعًا بالأمن، ولكن ليس الأمن الذي يأتي كنتيجة طبيعية لتطبيق القرارات الدولية، بل الأمن المقترن بالعدوان والاستيلاء على الأرض وتوسيع نطاق الهيمنة على الجغرافيا والثروة القومية.
لقد أسقطت جلسة الخامس من أيلول الحكومية مفاعيل جلستي الفخ في الخامس والسابع من آب، وصوّب الرئيس نبيه بري، بحنكته وبراعته التفاوضية، البوصلة للحؤول دون الوقوع في محظور نزاع داخلي أراده الإسرائيلي ومعه براك، للتعمية والتغطية على استمرار الاحتلال وفق معادلة كرتونية: إسرائيل تحتل وتقتل يوميًّا وتدمّر، والدولة اللبنانية تطرح مسألة السلاح ونزعه في ظل العربدة الإسرائيلية... فأعاد الرئيس بري تثبيت المثلث على قاعدته في الداخل، وأدار الشراع الإيراني باتجاه المملكة العربية السعودية للإبحار في بحر هادئ عربي–إيراني يكون بمثابة الضامن للسلم الأهلي في لبنان.
هذه التخريجة من أبو مصطفى أخرجت باراك عن طوره، فأفرغ شحناته السلبية المسمومة من قفصه الصدري، ناعقًا بتغريدات «بومية»، متحدثًا عن قطع رؤوس الأفاعي، والخطة البديلة حسب ليندسي غراهام: أي نزع السلاح بالذراع العسكرية الإسرائيلية.
مصادر مطلعة تقول: قد تقدم إسرائيل على خطوة عسكرية لتنغّص أولًا على جمهور المقاومة العريض إحياء ذكرى الشهيدين نصرالله وصفّي الدين، واستنساخ ما يشبه «البيجر» والاغتيالات النوعية، توطئة لعدوان واسع على لبنان، والاتكاء على الضغط الأميركي والمتغيرات في الإقليم، ولا سيما في سوريا، للانقضاض على المقاومة.
ويقول المصدر: المقاومة المتعافية أعادت ترتيب قدراتها، وقد تكون في طور إسقاط أنموذج «البيجر» بحدثٍ ما مدوٍّ في زمانٍ ما ومكانٍ ما، فوق من يظن أن الإنزالات أو «التشبيحات» العملانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي نزهة. وعندها سينقلب المشهد وتغدو رقبة نتنياهو على مقصلة الخروج كليًا من المشهد السياسي.
وتختم المصادر: الأيام القادمة حبلى بالأحداث، واللبنانيون بثلاثيتهم الذهبية: جيش وشعب ومقاومة، قادرون بلا شك على مواجهة التحديات الصهيونية الراهنة والدفاع عن وجودهم القومي، وتوظيف إمكاناتهم خدمة لهذا الوجود... وقطع رأس الأفعى.