الياس المر - خاص الأفضل نيوز
بين أصداء الحرب الإسرائيلية على إيران وتداعياتها، وفي ظلّ صراع دولي متصاعد من أوكرانيا إلى غزّة، أبرمت موسكو وطهران اتفاقًا لبناء ثماني محطات نووية سلمية على الأراضي الإيرانية. خطوة تبدو تقنية للوهلة الأولى، لكنها في الواقع تحمل بين طيّاتها أبعادًا استراتيجية تتجاوز الكهرباء إلى إعادة تشكيل التحالفات والتوازنات في المنطقة والعالم.
شراكة أبعد من الطاقة
الاتفاق الجديد يُظهر أن العلاقة بين روسيا وإيران دخلت مرحلة الشراكة الاستراتيجية. فموسكو، التي تواجه استنزافًا في أوكرانيا، تحتاج إلى توسيع شبكة حلفائها، فيما ترى طهران في روسيا مظلّة دولية كبرى تردّ من خلالها على آثار العدوان الإسرائيلي الأخير وتؤكد قدرتها على النهوض وتحدّي العقوبات الغربية.
من فيينا إلى موسكو: تحوّل في المسارات
منذ توقيع اتفاق فيينا النووي عام 2015، بقي النووي الإيراني ملفًا غربيًا بامتياز. لكن انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018 وانهيار المفاوضات أعادا فتح الباب أمام خيارات جديدة. اليوم، مع التعاون الروسي–الإيراني، تنتقل طهران من موقع المفاوض الخاضع للابتزاز إلى موقع الشريك المبادر في صياغة ترتيبات بديلة.
تلاقي التحالفات: من الرياض إلى طهران
لا يمكن فصل الاتفاق النووي الروسي–الإيراني عن المشهد الإقليمي الأوسع. فالأتفاق الدفاعي السعودي–الباكستاني الأخير يعكس بدوره تنويع الخيارات ونجاح الرياض في نسج تحالفات تحفظ لها السيادة والأمن الوطني، والابتعاد عن الارتكاز فقط على واشنطن. إذا كانت الرياض قد اختارت شريكًا عسكريًا في إسلام آباد، فإن طهران اختارت شريكًا نوويًا في موسكو. النتيجة: شبكة تحالفات جديدة تُمهّد لتوازنات إقليمية مختلفة.
البُعد الإنساني والرمزي
على الصعيد الداخلي، يمثّل المشروع النووي وعدًا لشعب إيراني أنهكته العقوبات وأزمات الطاقة. ثماني محطات نووية تعني كهرباء مستقرة، فرص عمل، ونقلة اقتصادية نوعية. لكنها في الوقت نفسه تحمل بعدًا رمزيًا أكبر: حقّ التنمية مقابل خوف الغرب من السلاح. هكذا يتحوّل المفاعل النووي إلى مرآة للصراع بين طموحات الشعوب وهاجس القوى الكبرى.
واشنطن أمام تحدٍّ جديد
الولايات المتحدة ترى في الاتفاق تهديدًا مزدوجًا: تعزيز موقع روسيا في الشرق الأوسط، وتمكين إيران من امتلاك بنية نووية متقدمة. الرد الأميركي المتوقع قد يكون عبر العقوبات المشدّدة والضغط الدبلوماسي، وربما عبر تنشيط تحالفاتها في الخليج وإسرائيل. لكن فعالية هذا الرد تبقى موضع شك، في ظلّ انشغال واشنطن بالحرب الأوكرانية وأزماتها الداخلية.
نحو ملامح نظام عالمي جديد
الأبعاد لا تقف عند حدود إيران وروسيا. الاتفاق يعكس صعود تحالفات ومنظمات بديلة مثل منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، حيث باتت القوى الإقليمية تمتلك مساحة أكبر لرسم خياراتها بعيدًا عن الوصاية الغربية. الشرق الأوسط، الذي لطالما كان ساحة تنافس، يتحوّل تدريجيًا إلى مركز توازن عالمي جديد.
مرحلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات
الاتفاق النووي الروسي–الإيراني ليس مجرد مشروع لتوليد الكهرباء، بل إعلان عن مرحلة جديدة تتقاطع فيها التحالفات الثنائية مع المعركة الكبرى على شكل النظام الدولي. وبينما تنتظر المنطقة ردّ واشنطن وحلفائها، يبقى المشهد مفتوحًا على سؤال جوهري: هل تُضيء هذه المحطات مستقبل إيران فقط، أم تُشعل معها شرارة نظام عالمي مختلف؟