ميرنا صابر – خاص الأفضل نيوز
لم يعد المشهد على الطرقات اللبنانية يقتصر على الزحمة الخانقة وضجيج الأبواق، بل بات يتكرّر مشهد سيارات محطّمة على جوانب الطريق، صفّارات إسعاف تهرع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودموع أمهات لا تجفّ. خلف هذه الكوارث اليومية يقف متّهم صامت يختبئ في جيب كل سائق: الهاتف المحمول.
على أوتوستراد المتن، يروي أحد عناصر الدفاع المدني لـ"الأفضل نيوز" كيف تصلهم يومياً بلاغات عن حوادث صدم لمشاة أو اصطدام بين سيارات.
ويضيف: "في معظم الحالات نجد الهاتف مفتوحاً على مقطع فيديو أو محادثة لم تُستكمل... وكأن الضحية كان يكتب آخر كلماته قبل أن يخسر حياته."
تشير معلومات خاصة إلى أنّ أكثر من 30% من الحوادث المسجّلة في العامين الأخيرين مرتبطة باستخدام الهاتف أثناء القيادة، وهي نسبة ترتفع بشكل واضح بين الفئة العمرية 18 – 35 عاماً، حيث يشكّل التشتّت بين الردّ على الرسائل وتصفّح "إنستغرام" و"واتساب" خطراً لا يقلّ عن القيادة تحت تأثير الكحول.
وفي حديث خاص لـ"الأفضل نيوز"، كشف رئيس جمعية "اليازا" الدكتور زياد عقل عن أرقام صادمة: "سجّل لبنان حتى اليوم 420 حالة وفاة على الطرقات هذا العام، بينها 68 ضحية في شهر آب وحده، وهو رقم غير مسبوق." ويشدّد عقل على أنّ الهاتف أصبح "القاتل الخفي" الذي يسرق انتباه السائق ويحوّل ثوانٍ بسيطة إلى كارثة، لافتاً إلى أنّ الدراسات أثبتت أنّ السائق الذي يستخدم هاتفه يحتاج إلى ثانيتين إضافيتين للردّ، وهاتان الثانيتان كفيلتان بإنهاء حياة إنسان.
لكن المشكلة لا تتوقّف عند الهاتف وحده. فبحسب عقل، ثمّة عوامل متشابكة تفاقم الأزمة، أبرزها ضعف تطبيق قوانين السير من قبل قوى الأمن الداخلي، غياب التزام امتحانات السوق بمعايير السلامة الدولية، تردّي حالة الطرقات وعدم صيانتها من قبل البلديات، إضافةً إلى قصور دور شرطة البلديات ووزارة الأشغال في توفير إشارات مرورية واضحة وبنى تحتية آمنة.
ورغم هذه التحذيرات، يبقى المشهد نفسه يتكرّر: سائق يضحك وهو يصوّر مقطع فيديو على "تيك توك"، آخر يردّ على رسالة صوتية بسرعة 100 كلم/ساعة، وشاب يلتقط صورة "سيلفي" خلف المقود... وفي لحظة خاطفة، تتحوّل الرحلة إلى مأساة، وتُضاف أسماء جديدة إلى لائحة ضحايا الطرقات.
اليوم، لم يعد الطريق في لبنان آمناً. فالهاتف المحمول تحوّل إلى قنبلة موقوتة تهدّد السائقين والمشاة على حد سواء. وإن لم تُتَّخذ خطوات حاسمة تجمع بين القانون والتكنولوجيا والتوعية، ستبقى الأرواح تُزهق كل يوم بسبب شاشة صغيرة تسلب الحياة بلمسة إصبع.