مارينا عندس - خاص "الأفضل نيوز"
في زمنٍ كثرت فيه المشاكل، وازدادت فيه الأعباء المادية على الأسر، تعود الإبرة والخيط ليكونا أكثر من مجرد أدوات تقليدية، بل رمزًا للصمود في مواجهة الحاجة. وما نراه في شارع غدير – جونية، عند الفتاتين جانيت وإيفيت، الشقيقتين من عائلة متواضعة، هو مثال حيّ على ذلك. فقد وجدن في الخياطة باب رزق بسيطًا، لم يكنّ يبحثن من خلاله عن رفاهية، بل عن قوتٍ يومي يحفظ لهنّ كرامتهنّ.
تقول إيفيت في حديثها لموقع "الأفضل نيوز": "بدأتُ هذه المهنة يوم انتشر فيروس كورونا، واضطرّت أختي العزباء وأنا للبدء من الصفر، بعد أن كنتُ معلمة مدرسة وكانت هي ربّة منزل ومعيلة لأهلنا. وبما أنّ الرواتب كانت ضئيلة جدًا يومذاك، والوضع منهك حتّى الآن تقريبًا، قرّرنا البدء من جديد والعمل في مهنة الخياطة. تدرّبنا في معهدٍ لمدة شهرين، وبدأنا من السحاب والزرّ والأمور البسيطة، إلى أن أصبحنا اليوم نحوك الملابس النسائية والرجالية، ونحن من يهتم بتوصيل البضاعة إلى المصبغة وكل هذه التفاصيل".
كيف لهذه المهنة أن تبقى على قيد الحياة؟
"لأنّ الوضع ليس بأفضل حاله"، على حدّ تعبيرها، "فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ولا سيّما النساء، تستبعد شراء فساتين جديدة في كل مرة يتم استدعاؤها لحضور حفل زفاف مثلًا، فنحن من يحوّل هذه الفساتين القديمة إلى أخرى جديدة ولو بلمسة صغيرة". مؤكدةً أنّ "موسم الأعراس كان كفيلًا برفع مستوى هذه المهنة، خصوصًا لدى السيدات".
التصليح أكثر ربحًا وأقرب إلى الناس
يتراوح تصليح الفستان بين 5 و20 دولارًا تقريبًا، بحسب نوعية القماش والفستان بشكل عام، لذلك تؤكد السيدتان أنّ "المهنة عادت بقوة من جديد بأرباح لا يُستهان بها. فالأزمة الاقتصادية أعادت الروح إلى مهنة الخياطة، إذ رفع الإقبال الكبير على تصليح الملابس الطلب، وبالتالي الأسعار. فبينما كانت كلفة تقصير بنطال لا تتعدى 50 ألف ليرة، أصبحت اليوم بين 200 و250 ألفًا، بحسب نوع القطعة ونوعية العمل".
ولأنّ التصليح اليوم يدعم الفقير، تحضر الأمهات ملابس قديمة لتجديدها بدل شراء الجديد. والبيجامات والكنزات والجينزات لم تعد تُرمى، بل يُعاد "ترميمها" بشكلٍ أفضل من قبل.
الخياطة بالنسبة لهؤلاء النسوة ليست مجرد مهنة، بل وسيلة لاكتشاف القوة الكامنة في الداخل. وفي النهاية، هذه المهنة ليست مجرد حرفة قديمة فحسب، بل مرآة لواقع اجتماعي واقتصادي صعب، وتعبير عن إرادة الشعب اللبناني للنهوض ولو بأيّ سبيل.