ليديا أبودرغم - خاصّ الأفضل نيوز
رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يضم 15 عضواً، مشروع قرار لرفع العقوبات عن طهران بشكل دائم، رغم الفيتو الروسي والصيني الذي يعارض جهود "الترويكا الأوروبية" لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بما فيها فرض حظر على الأسلحة، وعلى تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وعلى أنشطة الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، فضلاً عن أصول في أنحاء العالم، وأفراد وكيانات إيرانية.
ويُظهر الملف النووي الإيراني كيف أن الاتحاد الأوروبي، وخاصة الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة)، لعبت أدوارًا محورية ولكن متقلبة في إدارة هذا التحدي الجيوسياسي منذ 2003.
ورغم جهودها الدبلوماسية الناجحة مؤقتًا، فقد تراجعت فعالية أوروبا تدريجيًا أمام ضغوط السياسة الأميركية الأحادية، وتحديداً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، ما شكّل نقطة تحول، ليس فقط على مستوى الاتفاق نفسه، بل على مكانة أوروبا كفاعل مستقل في السياسة العالمية.
كما أثبتت تجربة "INSTEX" فشل أوروبا في تقديم بدائل حقيقية للمصالح الإيرانية، ما كشف عجزها البنيوي عن ممارسة "استقلال استراتيجي" حقيقي. كما أدى البريكست إلى تآكل وحدة الموقف الأوروبي وأضعف النفوذ الأوروبي الجماعي. وبحلول 2025، باتت أوروبا تتعامل مع إيران من موقع دفاعي لا مبادرة، لا سيما في ظل غموض الموقف الأميركي وتعاظم التقارب الإيراني مع روسيا والصين.
يبدو أن أوروبا أمام مفترق طرق استراتيجي. فالتطورات الأخيرة، خصوصًا مع عودة ترامب للسلطة وارتفاع منسوب التهديدات المتبادلة بين إيران و"إسرائيل"، ورغبة إيران بالانسحاب من الملف النووي، تجعل من الضروري أن تتحرك أوروبا بسرعة لتثبيت أدوات الردع الدبلوماسي، وعلى رأسها آلية "سناب باك"، التي تشكل آخر أوراق الضغط الممكنة قبل انزلاق المشهد نحو سباق تسلح إقليمي مفتوح.
يمكن القول إن مع تصاعد الشكوك في نوايا إيران بشأن التسلح النووي، وتراجع الثقة الأوروبية في الولايات المتحدة كشريك موثوق، فإن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة بات مرهونًا بإرادة أوروبية جماعية في قيادة مبادرة جديدة، تجمع بين استعادة أدوات الضغط وفتح نافذة لحوار مباشر غير مشروط مع طهران، مع إشراك الصين وروسيا بصيغة محدثة.
إن لم تُفعّل أوروبا أدواتها سريعًا، وتضع استراتيجية مستقلة تتجاوز الحسابات الأميركية الإسرائيلية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تحول الملف النووي الإيراني إلى صراع متفجر جديد في الشرق الأوسط، ستكون له تداعيات مباشرة على أمن العواصم الأوروبية واستقرار النظام الدولي برمّته.
تواجه أوروبا خيارًا حاسمًا، إما إعادة تأكيد دورها كوسيط نزيه للدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تهدف إلى منع الانتشار النووي، أو اتباع النزعة العسكرية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة، والسير نحو مواجهة لن تؤدي إلا إلى المزيد من تصدع الأمن العالمي.