ميشال نصر- خاصّ الأفضل نيوز
في ظل تصاعد التنافس الدولي على الساحة اللبنانية، جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من نيويورك لتُسلّط الضوء مجددًا على أدوار القوى الكبرى في تحديد معالم المرحلة المقبلة للبنان.
ففي مقابلة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدّد ماكرون على أهمية دعم الجيش اللبناني كرافعة أساسية لحصر السلاح واستعادة الدولة سلطتها على الجنوب، في موقف حمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الشأن الداخلي اللبناني إلى حسابات التوازن في الإقليم.
طرح فرنسي عكس مسعى "الأم الحنون" للحفاظ على موقعها كلاعب فاعل في الملف اللبناني، وسط تصاعد الحضور الأميركي الأكثر تشددًا تجاه حزب الله وإيران، ومحاولة فرض إملاءات مباشرة على الدولة اللبنانية. كما أن دعوة ماكرون لانسحاب إسرائيل من الجنوب، مقابل دعم خطة الجيش لحصر السلاح، عكست محاولة فرنسية لإعادة التوازن في المقاربة الغربية تجاه لبنان، وتقديم بديل واقعي للتصعيد، مع الحفاظ على الاستقرار الأمني وتفادي الانزلاق نحو حرب جديدة.
في هذا السياق، تبدو تصريحات ماكرون جزءًا من صراع دبلوماسي مكتوم بين فرنسا والولايات المتحدة، حيث تتقاطع الأهداف الاستراتيجية ولكن تختلف أدوات التنفيذ، خصوصًا في ما يتعلق بكيفية التعامل مع "المعادلة الأمنية" في الجنوب اللبناني ودور حزب الله فيها.
فمن منظور استراتيجي - سياسي، يربط بين تصريحات ماكرون والصراع الفرنسي - الأميركي في لبنان، وبعد كلام الموفد الأميركي إلى بيروت توم براك، تتوقف مصادر سياسية مواكبة عند النقاط التالية:
- اعتبار فرنسا دعم الجيش اللبناني، بوابة أساسية لإعادة التوازن، إذ شدد الرئيس ماكرون بوضوح على دعمه غير المشروط للجيش اللبناني، واعتباره الأداة الشرعية الوحيدة لحفظ الأمن واستعادة السيطرة على الجنوب. موقف عكس إيمان باريس الراسخ بأن تقوية المؤسسات، هو الطريق الأكثر استدامة لتحقيق هدف حصر السلاح، بعكس الرؤية الأميركية التي تميل إلى طرح ملف السلاح كأولوية حصرية، ما قد يهدد الاستقرار الداخلي.
- الدعوة لانسحاب إسرائيلي مقابل ضبط السلاح، حيث طالب ماكرون بانسحاب إسرائيل من الجنوب، في موقف يضع فرنسا في موقع "متوازن" شكلياً، بهدف كسب ثقة اللبنانيين، والبيئة الشيعية تحديدا، التي ترى في الانحياز الأميركي لإسرائيل تهديداً لسيادة لبنان.
- إدارة التعدد اللبناني، في وصف ماكرون للبنان بأنه "أكبر من نفسه" و"نموذج للتعدد"، وهو توصيف غير "بريء" سياسيًا، يراد به التذكير بالدور الفرنسي التقليدي كضامن لتوازنات الطوائف والمكونات، في وقت تردد فيه واشنطن الكلام عن انتهاء صلاحية سايكس - بيكو، حيث تركز المقاربة الأميركية على الشق الأمني - العسكري، فيما تتجنب فرنسا الانزلاق إلى مشاريع تفكيك الكيان اللبناني تحت ذريعة الإصلاح.
- الصراع الفرنسي - الأميركي، الذي يحكمه تنسيق فوق الطاولة ومنافسة تحتها، إذ بالرغم مما أشار إليه ماكرون عن "التعاون الوثيق مع واشنطن"، إلا أن الواقع يعكس صراعًا مكتومًا على النفوذ. حيث تسعى الأخيرة لفرض أجندتها عبر أدوات مباشرة كالعقوبات والضغوط على الجيش والحكومة، فيما تعتمد باريس على الديبلوماسية الناعمة، والشرعية التاريخية، لعلاقاتها مع جميع الأطراف اللبنانية، بما في ذلك حزب الله.
في الخلاصة لم تكن تصريحات الرئيس ماكرون مجرد موقف سياسي عابر، بل تعكس استراتيجية فرنسية متجددة في لبنان، تتقاطع في بعض نقاطها مع التوجهات الأميركية، لكنها تختلف في الأدوات والأولويات. ففي حين تمارس واشنطن ضغطاً مباشراً لحصر سلاح حزب الله عبر تصعيد سياسي - أمني، تطرح باريس مقاربة أكثر حذراً تقوم على تدعيم الدولة ومؤسساتها، لا سيما الجيش، كطريق غير صدامي لضبط السلاح.