نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
يعيش لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث، حيث تراجعت الإيرادات العامة بشكل ملحوظ نتيجة الانكماش الاقتصادي، والانهيار المصرفي، وارتفاع نسب التهرّب الضريبي، ما دفع الدولة اللبنانية إلى البحث عن مصادر دخل جديدة لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار المالي. في هذا الإطار، بدأت الحكومة باتخاذ سلسلة من الإجراءات الضريبية، من بينها فرض رسم جديد بنسبة 3% يُعرف بـ"الضريبة المسبقة الدفع".
هذا الإجراء، أثار الكثير من الجدل في الأوساط الاقتصادية والشعبية. فبينما تبرّره الدولة كأداة لمكافحة التهرّب الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، ترى فيه العديد من الجهات التجارية والاقتصادية عبئاً إضافياً على كلفة الاستيراد، ما قد ينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي، وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني المنهكة أصلاً.
من هنا، يُصبح من الضروري التوقف عند خلفيات هذا الرسم، أهدافه الحقيقية، والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تترتب عليه، في ظل أزمة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وفي بلد يبحث عن أي فرصة للنجاة.
المالية توضح!
من هنا، جاء بيان وزارة المالية ليُوضح أن "ما يُتداول حول فرض ضريبة جديدة بنسبة 3% على الاستيراد غير دقيق، مؤكداً أن الإجراء المقترح ليس ضريبة إضافية، بل دفعة على الحساب تُفرض على الشركات غير الملتزمة ضريبياً في السنوات السابقة، وذلك بهدف دفعها إلى تصحيح أوضاعها، وتحقيق منافسة عادلة مع المؤسسات الملتزمة".
إجراء تأميني... لا ضريبة
ومن جهته، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أنيس أبو دياب لـ "الأفضل نيوز" إن "هذه الضريبة ليست جديدة كما يُشاع، ولا يمكن اعتبارها ضريبة مسبقة الدفع كما يتم تداولها، بل هي بمثابة تأمين مالي يُفرض على بعض المستوردين. وقد أوضح بيان وزارة المالية أن هذا الإجراء لا يشمل جميع المستوردين، بل يقتصر فقط على أولئك الذين لم يقدّموا تصاريحهم الضريبية منذ ثلاث سنوات متتالية".
ويتابع: "بالتالي، فإن هذه الخطوة تأتي في سياق الحد من التهرّب الضريبي، وهي ضرورية وأساسية لضمان العدالة الضريبية وتعزيز الشفافية في السوق، خصوصاً أن المؤسسات الملتزمة ضريبياً لطالما اشتكت من عدم قدرتها على المنافسة مع القطاع غير الشرعي أو المؤسسات غير الملتزمة. ولذلك، فإن من المفترض بالهيئات الاقتصادية والتجارية أن تدعم هذا الإجراء، بدلاً من معارضته، كونه يصبّ في مصلحتها ويعزز مناخ المنافسة العادلة".
في إطار التأمين... لا تضخم!
أما عمَّا يُثار حول تسبب هذا الإجراء بزيادة التضخم بنسبة تتراوح بين 3 و5%، فيوضح أبو دياب أنه "أمر مُبالغ فيه ولا يستند إلى معطيات دقيقة. فالتأمين لا يطال السلع بمجملها، ولا يمسّ بالمستوردين الملتزمين، وبالتالي لا يجب تصويره كعبء عام سيؤدي إلى ارتفاع شامل في الأسعار".
بالموازاة مع ذلك، يرى أبو دياب أنه "لا يمكن إنكار أنه هناك قلقاً متزايداً من جانب الهيئات الاقتصادية وبعض المستوردين الذين يستعدون لرفع أسعار السلع في المستقبل القريب، متخذين من ضريبة التأمين المسبق الدفع ذريعة لتبرير زيادات تتراوح بين 3 و5%. هذا التوجه يثير تخوفات كبيرة لدى المستهلكين والجهات الرقابية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، حيث إن أي زيادة إضافية في الأسعار قد تُفاقم من معاناة المواطنين وتضغط على قدرتهم الشرائية".
ويختم: "مع أن هذا الإجراء هدفه الأساسي هو ضبط التهرب الضريبي وتعزيز العدالة في المنافسة بين المؤسسات، فإن استغلاله كذريعة لرفع الأسعار يهدد بتحويله من أداة إصلاح إلى عبء جديد على الأسواق والمستهلكين. لذلك، من الضروري أن تراقب الجهات الرسمية هذه التطورات عن كثب، وأن تفرض آليات شفافة لمراقبة الأسعار، لضمان ألا يتحول هذا الإجراء إلى مبرر للزيادة العشوائية وغير المبررة في كلفة السلع والخدمات".