د.أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
يبدو أن لعنة حرب تشرين /اكتوبر عام 1973 التي يحلو للبعض أن يُقلل من أهميتها الاستراتيجية والعسكرية، ستبقى تُلاحق كيان الاحتلال الصهيوني حتى زواله، فهذا التاريخ له ما له وعليه ما عليه، ونحن في حضرة هذه الذكرى، نرى أنه من المفيد التذكير ببعض المحطات لهذا التاريخ المشرق وارتباطه بعملية طوفان الأقصى التي أنهت سنتها الثانية منذ أيام، مع الإعلان عن اتفاق وقف الحرب الكونية وحرب الإبادة والتجويع على قطاع غزة والفلسطينيين.
فيوم السبت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973م، الموافق في العاشر من رمضان 1393هـ، شنت مصر وسوريا حربا ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، لتحرير أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية المحتلة.
وكانت حرب العاشر من رمضان أو السادس من أكتوبر، والتي سماها الاحتلال "حرب يوم كيبور" أو "عيد الغفران"،هي الرابعة مع الاحتلال بعد حروب أعوام: 1948 و1956 و1967.
لقد وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قواعد وخطط هذه الحرب منذ يونيو/حزيران 1968،حيث انطلقت حرب الاستنزاف التي نقلت الاستراتيجية المصرية من مرحلة الصمود إلى مرحلة الردع، وكانت الخطة تقتضي شن هذه الحرب في العام 1970، إلا أن وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 سبتمبر/أيلول 1970، أجل التنفيذ.
وبمعزل عن تقييمات نتائج تلك الحرب، إلا أنها أدت إلى استرداد السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس وعودة الملاحة في القناة بدءا من يونيو/حزيران 1975، وتحرير كامل الأراضي المصرية في شبه جزيرة سيناء، كما حررت سوريا جزءا من مرتفعات الجولان، بما فيها مدينة القنيطرة، وخسر الإحتلال 2656 قتيلا و7250 جريحا وأكثر من 340 أسيراً وتدمير 400 دبابة، واستيلاء الجيوش العربية على دبابات أخرى، وتدمير أكثر من 300 طائرة حربية و25 مروحية.
وفي الذكرى الخمسين لهذه الحرب التحريرية، استفاق كيان الاحتلال على مفاجأة السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية شعار"طوفان الأقصى" بدلالاتها المختلفة، وصولا إلى تشرين 2025.
وقد وصف قادة الاحتلال هذه العملية، بأنّها تشكل فشلا أمنياً ذريعاً للعدو، وأعادت إلى الأذهان اللحظات الأولى لحرب تشرين التحريرية، حيث وجد الكيان نفسه "بلا معلومات استخبارية تماماً، بما يشبه الفترة التي سبقت اندلاع حرب عام 1973".
كل تعليقات المحللين العسكريين لدى الكيان، أجمعت على أنّ قادة الأجهزة السياسية والعسكرية، تعرضوا لصدمة كبيرة بعد هجوم السابع من تشرين/أكتوبر، المفاجئ ،وأنه شبيه ببداية حرب عام 1973.
إن من يتابع المشاهد القادمة من غزة العزة وشعبها الأبي في هذه الأيام وبعد ساعات قليلة على إعلان وقف الحرب، يعي تماماً أن صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة أبشع حرب إبادة وتجويع وتدمير وتشريد وتعطيش شهدها التاريخ على مرّ العصور، لهو نموذج للبشرية على أن إرادة الحق أقوى وأصلب وأمنع من أن تنال منها قوة غاشمة مهما بلغ بطشها وإجرامها ووحشيتها.
يكفي أبطال غزّة فخرًا أنهم صمدوا طيلة سنتين كاملتين، أمام أكثر أنواع الأسلحة فتكاً وتدميراً في العالم، وعجزت عن إخضاع إرادة مقاوم اختار أن يموت بكرامة ولا يعيش مستسلمًا ذليلاً.
ويكفي شرفًا للمقاومة في غزة وشعبها أنهم داسوا بأقدامهم الحافية على شروط الإرهابي الأول في تاريخ البشرية نتنياهو لوقف الحرب ورفضوا الانصياع لها، بل وفرضوا عليه بسواعدهم القوية وجباههم الشامخة إرادتهم بأن لا إطلاق سراح للأسرى الصهاينة إلا بتحرير المعتقلين الفلسطينيين الأبطال من زنزانات الاحتلال والانسحاب من غزة.
لقد حاولوا، فرض الاستسلام على غزة ومحاصرتها، فكان الرد من دماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها وأبطالها، بمحاصرة الكيان الصهيوني وقادته المجرمين في أروقة الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وبرلمانات أوروبا وشوارعها، وفي الجامعات الأوروبية والأميركية، وحتى في الملاعب الرياضية، وبدل أن يُهجّر سكان غزة كما كان يحلم قادة الإرهاب الصهاينة، ها هو العدد الكبير من قطعانهم، وحسب الإحصاءات الإسرائيلية نفسها والدولية، يهرب من فلسطين الأبية ويعود إلى دياره الأصلية طلباً للأمن والأمان الذي وُعد به ولم يجده على أرض فلسطين التي ستتطهر يوماً ما من دنس الاحتلال مهما طال الزمن.
إن التذكير بأيام تشرين المجيدة عام 1973 وعام 2023 وفي أيامنا هذه، هي لأخذ العبر بأن كل أحلام الإرهابي نتنياهو بإسرائيل الكبرى سقطت على أسوار غزة، مثلما سقطت سابقاً وستسقط ثانية أمام أسوار لبنان، مهما تغوّل العدو الصهيوني في اعتداءاته الوحشية على لبنان.