نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
تُشكّل الفجوة المالية في لبنان محوراً رئيسيًا للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي وضع قواعد واضحة لوضع "قانون الفجوة المالية" يهدف إلى توزيع الخسائر بشكل عادل بين الدولة، مصرف لبنان، والمصارف. لكن في ظل التجاذبات السياسية والمصالح المتشابكة، تبقى التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة اللبنانية على الالتزام بهذه القواعد، خاصة مع الخلاف القائم حول مبلغ 16.5 مليار دولار، الذي يعتبره المصرف المركزي ديناً على الدولة بينما ترفض وزارة المالية الاعتراف به بسبب غياب التوثيق القانوني.
قواعد جديدة... ونقطة خلاف
انطلاقاً من ذلك، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أنيس أبو دياب، لـ"الأفضل نيوز" إن "القواعد التي حدّدها صندوق النقد تبدأ أولاً ببناء الفجوة المالية من خلال ما يقوم به مصرف لبنان، أي احتساب المطلوبات والموجودات بهدف إيجاد نوع من التوازن، حيث يُشكّل الفارق بينهما ما يُعرف بـ"الفجوة". حيث تبرز نقطة خلافية أساسية لم تُحسم بعد، تتعلّق بمبلغ 16.5 مليار دولار يعتبره المصرف المركزي ديناً على الدولة، في حين أن وزارة المالية لا تعترف به، نظراً لعدم وجود أي مشاريع قوانين أو تشريعات صادرة عن مجلس النواب تُثبت قانونيته".
ويتابع: "في هذا الملف تحديداً، يقف صندوق النقد إلى جانب وزارة المالية، معتبراً أن هذا المبلغ لا يمكن احتسابه كعبء على الدولة، ما لم يتم إثباته بشكل واضح. وقد تم التوصّل إلى نوع من التفاهم، يقضي باللجوء إلى تدقيق مالي وجنائي يُحدّد مصدر هذا المبلغ وتفاصيله وآلية توثيقه".
وفي سياق متصل، يعتبر أبو دياب أن "ما يعنيه صندوق النقد من تحديد الفجوة المالية، هو التأكد من أن الدولة اللبنانية، المصرف المركزي، والمصارف التجارية، يملكون القدرة على سداد القرض الذي ستحصل عليه الدولة، وهذا يستلزم معرفة دقيقة بإمكانيات كل جهة، ووضوحاً تامًّا في الأرقام والمعطيات".
اختبار الإرادة السياسية
على ضوء ذلك، يوضح أبو دياب أنه "من دون أدنى شك، فإن إقرار أي قانون يتعلق بالفجوة المالية أو باسترداد الودائع يُعدّ خطوة متقدمة وأساسية في مسار الإصلاح المالي، ومن شأنه أن يُحدث فارقاً ملموساً في استعادة الثقة محليّا ودوليّا، لكن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تبقى مرهونة بعنصر أساسي وجود إرادة سياسية حقيقية، قادرة على تجاوز التجاذبات والمصالح الضيّقة التي تعرقل أي حل جذري".
وبحسب أبو دياب، تبرز علامات استفهام جدية، "هل تملك الحكومة القدرة على المضي قدماً في هذا الاتجاه، في ظل الانقسامات السياسية والتوترات المتصاعدة، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة؟
فالرهان على توافق سياسي واسع يبدو صعباً في هذه المرحلة، إذ أن الحسابات الانتخابية بدأت تطغى على الاعتبارات الوطنية والإصلاحية. إلى جانب تصريح حاكم مصرف لبنان بأن القانون المتعلق بالفجوة المالية قد يتأخر حتى نهاية العام، يزداد الغموض، ويُطرح السؤال الأهم:هل سيتجرأ النواب على التصويت على قانون بهذا الحجم والخطورة، قبل أن تتضح الصورة السياسية والانتخابية؟ أم أن هذا القانون، شأنه شأن العديد من مشاريع الإصلاح، سيُعلّق في انتظار "توقيت سياسي ملائم" قد لا يأتي أبدًا؟".
ترقّب حاسم
أمام كل تلك المعطيات، يشرح أبو دياب أنه "لحدّ اليوم، هناك التزام نسبي بالقواعد التي يطلبها صندوق النقد، وقد شهدنا مؤخرا تقديم مشروع قانون لتعديل بعض بنود قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بما يتماشى مع ملاحظات الصندوق. من هنا، يبدو أن للبنان مصلحة واضحة في الالتزام بهذه الشروط، لما لذلك من انعكاسات مباشرة على استعادة الثقة والانخراط مجددا في الأسواق المالية الدولية".
مع ذلك، يختم: "تبقى الأنظار متجهة إلى الاجتماعات المرتقبة الأسبوع المقبل بين الوفد اللبناني وصندوق النقد والبنك الدولي، حيث من المتوقع أن تتبلور ملاحظات أساسية، قد تُقرّب المسافة نحو توقيع الاتفاق أو تُعيد خلط الأوراق من جديد".